تروي الكتب المقدسة وكتب الأساطير أن النمرود بن كنعان كان أول جبابرة الأرض، وكان ملكاً عظيماً يطوف في ملكه ويسأل قومه؛ من ربكم؟ فيجيبونه أنت ربنا وإلهنا. ثم خرج سيدنا إبراهيم على النمرود يحاججه في مزاعمه، سأله النمرود من ربك يا إبراهيم؟ فقال: ربي الذي يحيي ويميت. فبادره النمرود قائلاً أنا أحيي وأميت. وأتى برجلين فأمر بقتل الأول وأمر بإطلاق الثاني، فقال: أحييت الثاني وأمت الأول، وتلك ميزة ليست إلا لي وحدي. وحين اشتد الجدل بينهما أمر النمرود بإشعال نار عظيمة يحرق فيها إبراهيم فيصير عبرة لكل متمرد وخارج عن سلطة النمرود، لكن الله نجا إبراهيم من النار، ورحل عن أرض النمرود يدعو الناس لعبادة الله الواحد لأحد.
ويقال أن الله أرسل بعد إبراهيم ملكاً للنمرود يدعوه أربع مرات لعبادة الله، وأن النمرود رد كل الدعوات وتكبر إلى أن دعاه الملك إلى الخروج بما استطاع من جمعه ورجاله وعتاده، وحين خرج النمرود مع قومه بعث الله عليهم جيشاً غفيراً من البعوض غطت أسرابه وجه الشمس حتى أظلمت الأرض، وأخذ البعوض يأكل لحوم القوم وعظامهم تاركاً النمرود ينجو بنفسه. غير أن بعوضة تمكنت من دخول أنفه واستقرت في دماغه، فكانت تطن في رأسه فيضطرب دماغه حتى يكاد يجن فلا يجد ما يطفئ رأسه من الهيجان سوى نعال القوم وعصيهم تنهال عليه فيهدأ. عاش النمرود على هذه الحال 400 سنة مهاناً بين النعال والأحذية والعصي، ويقال هي الأعوام نفسها التي قضاها في الكفر والجبروت.
وتحكي كتب السير أن سيدنا إبراهيم بعد أن رحل عن قومه تزوج بالسيدة هاجر وأنجب منها ابنه البكر إسماعيل، وتركهما بعض الوقت في الصحراء وحدهما يعانيان من الجوع والعطش، فكان سيدنا إسماعيل يضرب الأرض بقدميه من شدة العطش فتفجرت بئر زمزم من تحته فشرب إسماعيل وهاجر وأكلا واطمأنا، ثم وفدت جماعة من بني «جرهم» إحدى القبائل اليمنية من العرب العاربة على السيدة هاجر وابنها فوجداهما في ماء وواحة ظلها وفير وبلحها كثير، فعرضوا عليها أن يمكثوا معها ويؤنسوا وحدتها ويكون الماء لها. فقبلت هاجر العرض ونشأ إسماعيل بين بني جرهم وتعلم منهم العربية وتزوج منهم وأنجب أبناءه الذين توالدوا في مكة حتى أنجبوا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وقد شاركت قبيلة «جرهم» اليمانية إبراهيم وإسماعيل في بناء الكعبة، ثم آلت رعاية البيت وسقايته إلى ولد إسماعيل وخؤولتهم من بني جرهم لا ينافسهم فيها أحد من العرب.
ثم بعث الله أبرهة الحبشي من اليمن، لم يكن عربياً ولا يمنياً، ولكنه كان ملكاً أعجمياً من الحبشة غلب أهل اليمن على أمرهم فحكمهم، وكان نصرانياً أرد تحويل قبلة العرب من مكة إلى كنيسة عظيمة بناها في صنعاء، ولم يكن له من بد سوى هدم كعبة العرب في مكة. فتوجه أبرهة في جيش عظيم من الرجال والفيلة، وكان أكثر العرب لم ير الفيل قط ولم يسمع به، وحين استقر أبرهة قرب بيت الله الحرام استعداداً لهدمه دخل عليه عبدالمطلب بن هشام يطلب منه رد مجموعة من الأبعرة والإبل التي سرقها جنوده، فوجئ أبرهة من أولويات عبدالمطلب واستحقرها، وقال له ظننتك ستجادلني في هدم كعبتكم وستجادل عن دينكم! فرد عليه عبدالمطلب بقولته المشهورة «أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه»، وصدق عبدالمطلب، فقد أرسل الله على فيلة أبرهة ورجاله طيوراً صغيرة الحجم يحمل كل واحد منها حجراً من أحجار جهنم قد وسم باسم كل من سيصيبه ويقع عليه، فهلك أبرهة وجيشه والفيلة وبقيت الكعبة والعرب والدين الإسلامي.
ذلك اليقين الراسخ بالله وقدرته المحيطة بالكون وبمنعة دينه، ذلك الإيمان الذي ورثه عبدالمطلب من سنن أجداده العرب ومن سيرة آبائه الرسل هو الذي ثبت منه القدمين أمام الفيلة وأمام ملك تجبر وغلب، ولكن.. لا غالب إلا الله.