منذ أن وعيت على القمم العربية، وقهقهات جارنا عند سماعه لتقرير المذيعين والمراسلين الذين كانوا دوماً يخطئون باللفظ والتشكيل، فتارة يلفظونها «قمة» وأحياناً كثيرة بـ«قمة» وأحياناً أقل ينتبهون لخطئهم ويعاودون تصحيح اللفظ. ومن جهة أخرى ردات فعل أهلي والجيران عن هذه الاجتماعات السنوية التي تتراوح ما بين اجتماعات سنوية اعتيادية وأخرى طارئة ومستعجلة إنه مضيعة للوقت وكثرة للمصاريف والكلام المشكل والموزون لن يقدم ولن يؤخر، لحين أنا نفسي كدت للحظة لأقتنع بكلامهم، وعندما يتسنى لي الوقت كنت أسمع خطابات فقط بعض الزعماء، أما التي تتميز باستخفاف قاتل من الأوضاع الآنية التي تعيشها الأمة العربية أو للخطابات التي تحمل في طياتها عزاً وعنفواناً وصرخة مدوية على الظلم والأسى، ورغم كل ذلك كان الأمر لا يخلو من الدبلوماسية اللطيفة التي تحفظ خط الرجعة للمتحدث. كنت أسمع تلك الخطابات أحياناً بالرغم من عدم اكتراثي سواء الكلي أو الجزئي بالأمور السياسية، وهذا أمر طبيعي إلى حد ما كوني كنت في تلك السن الصغيرة تلهيني أمور الدراسة والامتحانات الفصلية والنهائية، والتي تحتل الحيز الأكبر من تفكير جيلي وتفكيري، وهذا أمر طبيعي صرف.ولا أخفي عليكم بعد مرور عدة سنوات وبين تباين الآراء المحلية المحيطة بي وليست السياسية أو الإعلامية المطلعة، أخذني فضولي للبحث والقراءة عن تاريخ انعقاد أول قمة عربية، والتي كانت «قمة أنشاص» المصرية التي عقدت بدعوة من الملك فاروق في قصر أنشاص عام 1946 مروراً بمجموعة من القمم التي احتلت مواضيع استراتيجية وأخذت بها قرارات فعلية وحتمية وصولاً إلى قمة شرم الشيخ 2015. لكن ما لفتني في قمة شرم الشيخ والتي كانت تتزامن مع «عاصفة الحزم»، حيث كانت الأعين متربصة على شاشات التلفاز، مترقبة بين ما يجري في عملية تحرير «اليمن السعيد» من أياد اغتصبته وافتعلت به بتدخل خارجي فاضح ومتلهفة لسماع ما يدور في أرجاء القاعة التي ضمت تحت جدرانها الدول العربية الأبية مجتمعة لإيجاد الحلول السريعة لانتشال الدول العربية التي تقع الواحدة تلو الأخرى فريسة الإرهاب.وأكثر ما لفتني حقيقة في هذه الدورة أن معظم الخطابات كانت خالية من المجاملات اللفظية والدبلوماسية التي عهدنا بها نحن العرب فصيحي القول واللسان، ولعل الخطاب الذي كان له الميزة الماسية هو خطاب عميد الدبلوماسية العربية سمو الأمير سعود الفيصل، حيث كانت ولاتزال خطاباته خالية من المنكهات الصناعية لكي ترضي هذا أو ذاك.هذا الوزير الذي استطاع بحنكته وسعة تفكيره أن يفرض كلمته في أكبر المحافل الدولية والعربية، فكل خطاباته المدوية تكون خالية من الدبلوماسية الشعواء.فللأسف كثيرون يتفوهون وينسبون إلى أنفسهم أنهم لديهم القدرة على تجريد الحقائق، ولكن قليلين جداً كأمثال سمو الأمير سعود من يمتلك العبرة والحكمة في القول والفعل، ولا يخاف في الله لومة لائم.عاشت الأمة العربية متضامنة فيما بينها آملين بغد مشرق خال من النزاعات والخلافات وهذا ما امتازت به القمة الأخيرة..
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90