نحن نشيد بالقرارات التربوية الحديثة لوزارة التربية والتعليم، تلك التي تحمي حقوق الطالب / الطفل في العملية التعليمية، على اعتبار أنه الحلقة الأضعف في هذه الدائرة، وفي حال تم حفظ وصون حقوقه فإنه لن يكون عليه عسير أن يكمل مشوار مسيرته التعليمية بطريقة واثقة ورصينة، بعيداً عن كل أشكال الانتهاكات الممكنة في العملية التعليمية، أو حتى من احتمالية حدوثها.
جيد للغاية أن تُلغى كل أشكال التربية القديمة، والتي كانت تمثل السلطة الأبوية القاسية من طرف الإدارات التعليمية، إلى حيث البيئة الحرة والناعمة بين كل الأطراف، كما إن القرارات الحديثة في العملية التربوية تدعو للمشاركة بين المعلم وبين الطالب، بطريقة ديمقراطية.
لكن ما يمكن أن يؤاخذ على هذه الطريقة اليوم هو عدم وجود حدود واضحة تحمي حقوق المعلم من الأضرار الممكنة جراء انقلاب العملية التربوية لمستوى معاكس تماماً لما كانت عليه في السابق، فبالأمس لم يكن بمقدور الطالب أن يرفع حاجبيه في وجه التربوي / المعلم الديكتاتوري الباطش، صاحب السلطة المطلقة، حتى ولو كان الطالب صاحب حق، أما اليوم، وبسبب انعكاس العملية برمتها، أصبح المعلم هو الحلقة الأضعف، بل أصبحت حقوق المعلم تحت رحمة الطالب المشاغب!
هذه هي العملية التربوية التي يجب أن تضبط بين المعلم والطالب، فلا يمكن أن تعطى كل السلطة في يد المعلم أو أن تعطى السلطة في يد الطالب، فكما يجب حماية الطالب من كل أشكال القسوة والانتهاكات داخل أسوار المدرسة، يجب في المقابل حماية المعلم من طرف الطالب المستهتر، وهذا لن يكون إلا عبر خلق قواعد تربوية عادلة ومتوازنة بين كل الأطراف، من دون أن يكون هنالك غالب أو مغلوب، كما يجب أن تنتصر العملية التربوية للجهة التي تنتقص من حقوقها، سواء كان طالباً أو معلماً.
نحن نكرر هنا ونشيد بدور وزارة التربية والتعليم الكبير حين اقتلعت كل الأشكال والوسائل التربوية القديمة، تلك التي كانت تقف كلها وبطريقة «عميانية» إلى جانب المعلم لتنصف حقوق الطالب، لكن يبدو أن العملية التربوية الحديثة انتقصت وبشكل حاد جداً من هيبة المعلم وقداسة مهنته ومكانته الرفيعة في طول العملية التربوية وعرضها، مما عرضه للكثير من التحقير والازدراء وتقييد كافة صلاحياته التربوية والتعليمية معاً، ومن هنا يأتي دور الموازنة في العملية التربوية وليس المفاضلة.
حين تتلاشى هيبة المعلم تماماً من دائرة العملية التربوية والتعليمية، أو حيت تنتقص من كرامته وقيمته المعنوية، فإن كل المسارات التي تؤدي إلى الرقي والتطور سوف تتوقف في الحال، حتى ولو وضعت الوزارة «فورمة» باردة جداً، يمكن للمعلم المنقوص الصلاحية والمُراقب من طرفها بشكل مبالغ فيه أن يرفع شكوى أو تظلماً بسبب طفل / طالب لا يعرف ما هي قيمة وأهمية دور المعلم في بناء الأجيال.
ما دعانا لهذا الحديث هو تذمر الكثير من المربين في مدارس البحرين بسبب بعض الطلبة الذين تجاوزوا حدود الأدب واللباقة مع من كان يوماً من الأيام يمثل الصفة التربوية الحاسمة في بناء مجتمع قوي ومتعلم، فقليل من جراعة الموازنة ربما تعيد القطار التعليمي إلى سكته الحقيقية، وحينها لا يسعنا المجال للحديث عن ظالم أو مظلوم في مسار العملية التربوية والتعليمية في البحرين.