سنستعرض تجارب اقتصادية ناجحة، ومنها الهند، والتي من المتوقع أن يتجاوز اقتصادها اقتصاد الصين في 2015، حيث بلغ الناتج المحلي في 2014 نسبة 7.5% في الربع الرابع من عام 2014، والذي ارتفع عن ما حققته الصين بذات الفترة، حيث من المخطط له أن تصبح قيمة الاقتصاد الهندي 5 تريليون دولار بحلول عام 2025، والسبب ليس في أن الهند أنشأت هيئة سوق عمل أو صندوق عمل ودعمت سوق المتاي والنارجييل، ودعمت الخياط ومحلات الكوافير أو أنفقت على فعاليات نسائية وشبابية أو نشاطات ومخيمات طلابية تتبناها بعض من المؤسسات الحكومية، بل قامت بتخفيض الضرائب والرسوم العامة على الشركات والمؤسسات وأصحاب الأعمال وتقليصها إلى 8%، وتخفيض رسوم الخدمات إلى 10%، كما حررت الاستثمار الداخلي بأن خفضت رسوم تسجيل الشركات بشكل كبير، وتسهيل متطلبات الترخيص، وخفض معدل الضريبة على الشركات مع تحسين بيئة الأعمال والاستثمار.
كما تم وعد الحكومة بتعويضها عن العجز، وذلك من فائض الإنتاج المحلي، حيث صرح أشوك شاولا، وزير الدولة للشؤون الاقتصادية، أن تخفيض الرسوم والضرائب سيتسبب بفقدان الخزانة العامة إيرادات قيمتها 6 مليارات دولار سنوياً، ويأتي هذا الإجراء من جانب الحكومة بعد إعلانها مؤخراً عن حزمتى إجراءات لتنشيط الاقتصاد وتخفيض الرسوم والضرائب، وتوظيف الأموال في مشاريع تتعلق بالبنية التحتية والمرافق لتعزيز جاذبية النشاطات الاقتصادية، وقد جاء هذا النمو في الاقتصاد الهندي بعد سنوات من التعثر بسبب إسراف الحكومة على بعض الشركات المملوكة للدولة مما تسبب في ارتفاع العجز المزمن وانتشار الفساد في عدد من المجالات والأنشطة الاقتصادية.
نأتي هنا لنتحدث عن مملكتنا الغالية، البحرين، حيث نموت كمداً كلما يتراجع نموها الاقتصادي، وتضيق نفوسنا عندما نسمع عن عجز في الميزانية، البحرين التي كانت الرائدة الأولى في الاقتصاد على مستوى دول الخليج العربي، اليوم تتعثر بين برامج اقتصادية لم تأت ثمارها، ولم نحصل على زبدتها منذ أن تم تدشين ما يسمى «هيئة سوق العمل» التي تسحب أرباح الاستثمار من التجار وتصبه في دعم أنشطة ومجالات ليس لها أثر في نمو اقتصادي ولا ازدهار عمراني.
ونتطرق هنا إلى ما ذكرته أحدى التقارير بأن «تمكين» تقر موازنة مشاريع بقيمة 65 مليون دينار للعالم الحالي، بالإضافة إلى 17.5 مليون دينار للتأمين ضد التعطل، فبالله عليكم هل من الممكن أن يذكر لنا أحد شيئاً عن هذه المشاريع العملاقة حيث نسمع عن عشرات الملايين سنوياً ولا نرى أثرها لا في نمو اقتصادي ولا نرى مشاريع عملاقة ولا ذباحة، ولا تسابق استثمارات أجنبية للحصول على صفقات تجارية، بل العكس نرى الشركات تحزم أمتعتها وتغادر إلى الدول المجاورة، وذلك حين انتشرت محلات الفول والكباب والشاي الكرك والكب كيك ومطاعم المندي والمضروب والهريس ومطاعم البيض والطماط والبلاليط، فهل هذا بالله عليكم سيرفع الناتج المحلي للدولة وسيغذي اقتصادها؟!
كما يذكر التقرير بأنه بلغ إجمالي ما صرفه صندوق العمل في 2014 على مشاريع الدعم المختلفة 69.5 مليون دينار، شاملاً ذلك 16.5 مليون دينار سددتها «تمكين» بالنيابة عن أصحاب الأعمال إلى الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي بحسب قانون التأمين ضد التعطل، بعد هذا أي اقتصاد ينمو ويتحرك بعد أن تذهب الملايين إلى دعم مشاريع تنتيفية، في الوقت الذي نرى على سبيل المثال الذي ذكرناه بأن الهند أطلقت حزمة مشاريع لدعم الاقتصاد جاءت في هيئة تخفيض الضرائب والرسوم، وعدم تقديم الشركات المملوكة من الدولة، وخاصة إذا ما قارنا البحرين عندما تقوم بدعم شركات تقدر خسارتها بمئات الملايين سنوياً، والدولة بالمقابل تضخ إليها مئات الملايين، كأنها مكافأة على الفساد المالي والإداري مثل شركة طيران الخليج.
نتمنى من الدولة إعادة النظر في الضرائب المفروضة على أصحاب الأعمال، وأهمها العشرة دينار على العامل، وتخفيض مبالغ المخالفات على تجديد الإقامات، وتخفيض رسوم الكهرباء والبلدية على المؤسسات الاقتصادية، ودعم المؤسسات الصغيرة بقروض مضمونة الدفع، وها هي سلطنة عمان تدعم مثل هذه المشاريع الصغيرة بطريقة تحفظ حق صاحب العمل الذي يدفع الضرائب والتاجر المبتدئ والمؤسسة الممولة، ومنها قيام بنك التنمية العماني بتقديم القروض للمشروعات الإنتاجية الخدمية والتي تضفي قيمة عالية للاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تقديم قروض ميسرة بأسعار لا تتجاوز فائدتها 3% في حين يقدم البنك قروضاً دون فوائد تصل إلى 5000 ريال عماني لصغار المستثمرين والحرفيين، كما سارعت دولة الإمارات إلى تخفيض رسوم الرخص التجارية والخدمات الحكومية بنسبة 20 - 30%.
إذاً اليوم نحن بحاجة إلى عقول اقتصادية ذات تجارب ناجحة في التجارة، لا فريق عمل لم يعمل منه أحد قط في مصنع أو يدير حتى بقالة، نحن بحاجة إلى الاستفادة من تجارب الدول الاقتصادية الكبرى التي حول اقتصادها العشيش إلى أبراج مائلة وطائحة، وأن هذا الدعم الذي لم نر نتائجه حتى اليوم، نرجو أن يوجه في مساره الصحيح وأن يكون وفق آلية تضمن حق صاحب العمل الذي يتقطع قلبه حسرة وهو يرى عرقه يذهب سلاماً، سلام في جيوب لا تعرف الفلاحة ولا الحلاقة، أو يرى أمواله تذهب في حفلات وفعاليات تنتهي بتسليم درع مقابل دعم بعشرات الملايين، وذلك بوقف استقطاع 10 دينار كي يقفز الاقتصاد ويتفوق على اقتصاد جيرانه.