والله نقول بأن الحمد لله أن جعل في هذه الأرض الطيبة أيادي تبني ما يهدم، ورجالاً ونساء تصلح ما يفسده آخرون يكرهون كل خير للبلد وأهلها بقدر ما يتنفسون.
أكتب ذلك بعد تصفح العدد الأخير من مجلة «الأمن»، ولا أملك أن أقول بعدها إلا جزى الله كل الخير الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية المحترم على كل جهوده الإصلاحية، وتعامله الأبوي بالأخص مع الأحداث المتورطين بأفعال التخريب وحرق الإطارات.
في مقابلة بالمجلة تتحدث رئيس شعبة الشؤون القانونية بـ»مركز رعاية الأحداث» الرائد الركن مريم البردولي عن موضوع هام قد لا يعرف تفاصيله كثير من الناس، وقد لا يعون تأثيراته الإيجابية على الوطن بشكلها الصحيح.
هذا المركز التابع لوزارة الداخلية معني بتدريس الأحداث المتورطين في القضايا وتدريبهم ودمجهم في المجتمع. يعمل فور تسلم الحدث على دراسة حالته من مختلف جوانبها والظروف المحيطة به، وذلك بهدف وضع خطة علاجية إصلاحية له، والجملة الأخيرة ضعوا تحتها ألف خط أحمر، إذ البحرين من قلائل الدول التي تهتم بهذا الشكل بالأحداث وتحيطهم بعناية متكاملة الجوانب. البحرين عبر هذا المركز التابع لوزارة الداخلية، تبدأ مرحلة الإصلاح عبر تأهيل الأسرة أولاً وفق زيارات للباحثين الاجتماعيين لأسرة الحدث ولمدرسته لتعرف بيئته المحيطة، وتشرك الأسرة في العملية بشكل كبير، حيث تسمح للحدث بزيارة منزله شهرياً حتى لا يعزل عن بيئته. أيضاً تدخله في ورش عملية تعليمية وتوفر له المحاضرات التعليمية والدينية والصحية، وتدخله في برنامج «معاً» مع شرطة المجتمع الهادف للتصدي للعنف والإدمان، وتقيم له الزيارات والرحلات والفعاليات الرياضية.
والجميل أنها توفر له الرعاية الصحية المتكاملة، وتوفر له المجال لممارسة الأنشطة المختلفة التي يحبها كالرياضة والهوايات وتشركه في معارض أيضاً تتم بالتنسيق مع الجهات المعنية بالدولة.
والجميل في عمل المركز أنه يقدم تقريراً دورياً عن حالة الحدث لقاضي محكمة الأحداث، ويكون التقرير في حالة إيجابيته مقروناً بطلب إنهاء إيداع الحدث وخروجه من المركز ليعود لمنزلته ومدرسته مع متابعة سلوكه والقيام بالزيارات له. والأجمل بأن معظم أولياء الأمور يظهرون تعاوناً وتجاوباً مع عمل المركز، الأمر الذي يؤكد ما قلناه سابقاً بأن هناك رفضاً مجتمعياً للفوضى والتخريب وزج الأطفال فيها، وأن كثيراً من الأحداث يقعون ضحايا لجماعات تستغلهم تحت اسم الدين أو المظلومية أو المطالب لتحولهم لأدوات تحرق بها الدولة وتخربها، وفي الحقيقة إنما هي تحرق قلوب عوائل هؤلاء الأحداث وتضيع مستقبلهم.
تخيلوا أن إحدى الفتيات الأحداث وبفضل من الله وثم الجهود التي يبذلها المركز حصلت على نسبة 91% في الشهادة الإعدادية، بينما حصل حدث آخر على نسبة 83% في الصف الأول الثانوي بعد تأهيله وإلحاقه بمدرسة صناعية خارج المركز وحصل على المركز الأول في مسابقة للرسم نظمتها وزارة التربية والتعليم.
من منا لا يتأثر حينما يعرف هذه المعلومات، ويرى هذه الجهود التي تبذل لإنقاذ جيل تم اللعب في عقله، وتم التغرير به؟! من منا لا يفرح حينما يرى دموع فرح عائلة يعود إليها ابنها من مركز للتوقيف بحال مغاير عما كان عليه، يعود بحال مواطن صالح لديه طموح في الحياة، ولديه أمل في مستقبل مشرق، يرى في الدولة التي ساعدته وأعانته مستقبلاً مشرقاً بخلاف المستقبل المظلم لمن غرر به ونساه وتناسى نداءات أهله حينما قبض عليه؟!
كان سهلاً جداً لوزارة الداخلية أن تفعل ما تفعله أجهزة مماثلة في دول أخرى، بأن تقبض على هؤلاء الصغار وتضعهم خلف القضبان ليقضوا محكوميتهم ولتسجل الجرائم في صحفهم وتظل معهم لتعيق مستقبلهم، لكن البحرين تعاملت بروح أهلها الطيبين، بحنان الأبوة ونبض المسؤولية الصادر عن رجالها الكبار المخلصين.
معالي وزير الداخلية الشيخ راشد، ترفع لك ألف قبعة تحية وشكر وتقدير، فهذا الجهد فيه من الخير للبلد الكثير. أن تعيد الأحداث لحضن بلادهم وعوائلهم كناشئة يعول عليها الكثير ويؤمل منها صناعة الأفضل للبلد، والله إنه لإنجاز ما بعده إنجاز، فجزاك الله أنت والذين عملوا معك في هذا المركز الرائع خير الجزاء.