من المتناقضات أن نبيل رجب يتحدث عن التضييق على الحريات في البحرين وهو واقف عند باب بيته ورجال الأمن الذين حضروا للقبض عليه واقفين ينتظرونه ريثما ينتهي من تسجيل فيديو يقول فيه كل ذلك. مسألة يصعب على العقل استيعابها؛ لكن يؤكدها الفيديو الذي يظهر رجب وهو يتحدث بكل هدوء عن تضييق السلطة على الحريات في حضور رجال الأمن الذين أكدوا بانتظارهم ريثما ينتهي من قول كل ما يريد قوله أنه لا يقول الحقيقة. وهذا يعني أنهم أخذوه بعدما انتهى بكل هدوء وبشكل حضاري إلى حيث يتم استكمال إجراءات حجزه.
هكذا أثبت نبيل رجب أن ما قاله عن التضييق على الحريات غير واقعي وبعيد عن الحقيقة ومحض ادعاء، فأي تضييق على الحريات هذا الذي يحصل فيه معارض أثناء اعتقاله على امتياز انتقاد السلطة علناً وتسجيل ذلك بالفيديو ونشره بعد دقائق عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليراه ويسمعه كل العالم؟
رجب قال إن اعتقاله كان بسبب تغريداته على التويتر وأن هذا دليل على أن السلطة تضيق على الحريات وتضيق بها، لكنه نقض كلامه بذلك التسجيل الذي أظهره وهو يتحدث بهدوء وبكل حرية وينتقد السلطة في حضور رجال الأمن الذين جاؤوا ليقبضوا عليه، مثل هذا المشهد المثير لا يتوفر إلا في الأفلام الهندية!
هكذا هي «المعارضة» في البحرين على اختلاف ألوانها، تقول إن السلطة تضيق على الحريات ولا تنتبه إلى أنها تقول ذلك بكل حرية وأمان وأنه لا يصيبها ضرر بعد أن تقول كل ما ترغب في قوله مهما كان قاسياً وبعيداً عن الحقيقة والواقع.
المتابع لفضائية «العالم» الإيرانية يمكنه أن يلاحظ الأمر نفسه، حيث تستضيف هذه السوسة يومياً من يتحدث من داخل البحرين على الهواء مباشرة ويكيل الاتهامات للسلطة ويدعي أنها تضيق على الحريات، وهو يعرف تمام المعرفة أنه بعد أن ينتهي من إفراغ كل ما في جوفه من كلام «سيضرب بالخمس وسيستمتع بقيلولته» وهو آمن مطمئن.
ترى كيف يمكن ترويج هذه البضاعة وإقناع العالم بأن هذه السلطة تضيق على الحريات و»المعارضة» تتحدث بكل حرية وتنتقد السلطة من دون خوف ولا وجل؟ كيف للعالم أن يصدق أن هذا الذي يتحدث عن غياب الحريات يتحدث بكل حرية أمام السلطة التي يقول عنها إنها تضيق على الحريات؟
في إحدى الفضائيات التي تتخذ من بيروت مقراً لها؛ قال مقدم البرنامج لمعارض بحريني استضافه قبل فترة على الهواء مباشرة في الأستوديو إنك يا فلان تتحدث عن التضييق على الحريات في البحرين وها أنت هنا تقول كل ما تريد قوله عن السلطة وتنتقدها بقسوة وتعرف تمام المعرفة أنك ستعود إلى البحرين وتدخل المطار بكل بساطة من دون أن يوجه لك أي سؤال عن هذا الذي قلته ثم تنصرف إلى بيتك آمناً مطمئناً وكأن شيئاً لم يحدث.
مثل هذا الأمر يحدث يومياً ولا تفسير له سوى أن «المعارضة» تناقض نفسها بمثل هذه الادعاءات، فالسلطة هنا لا تحاسب المواطنين على ما يقولونه أو يكتبونه على مواقع التواصل الاجتماعي إلا في حالات ضيقة؛ فعندما يتسبب ذلك في تهديد الأمن والسلم الأهلي أو يتعدى على حقوق الآخرين فإن من الطبيعي أن يكون القانون هو الفيصل، عدا ذلك فالحريات مكفولة.
هناك مشكلة أخرى تعاني منها «المعارضة» في هذا الخصوص وهي أنها تطالب دائماً بتطبيق القانون، لكن عندما يصل إليها ويطبق عليها تعتبر ذلك ضدها وتعتبره تجاوزاً وظلماً، ما يعني أنها تعترف بالقانون طالما أنه يطبق على الغير لكن إن طبق عليها فهو قانون ظالم وممارسة سيئة المراد منها التضييق على الحريات.