لا يمكن أن يستكمل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وتستكمل حزمة الإصلاحات السياسية وتستكمل الرؤية الاقتصادية 2030 دون استكمال الإصلاحات الثورية في المنظومة القضائية التي ينوي المجلس الأعلى للقضاء القيام بها.
إن أية إصلاحات سياسية تقدمت بها حزمة المنظومة التشريعية التي سنت منذ عام 2000 أو أية إصلاحات اقتصادية بنيت على أساس رؤية 2030 ستظل ناقصة في حال بقاء النظام القضائي على صورته الحالية، بل الأكثر من ذلك أن بقاء هذا النظام بوضعه الحالي بكل ما يحمله من ثقل وإرث للماضي سيعرقل جني ثمار تلك الإصلاحات وسيبددها ويطفئ وهجها.
الأمر الآخر، إن تأخر وإعاقة هذه الخطة التطويرية ستعيق أيضاً تطور المنظومة الحقوقية بالكامل التي أعدتها مملكة البحرين من تشريعات من مؤسسات ومن منظومة اتصال دولية ونكون كمن أعد كل أدوات الطبخ ثم وجد نفسه دون نار يوقدها تحت قدره.
إن الرؤية التي يحملها المجلس الأعلى للقضاء صاغها في استراتيجية مدروسة وترجمها في خطة خمسية ستتحقق عام 2020 في حال منح المجلس الميزانية المرصودة لها، وإلا ستتحمل البحرين كلها نتائج أي تأخر أو تخلف ونتائج بقاء النظام الحالي على ما هو عليه.
لقد تقدم المجلس بطلب 15 مليون دينار لتنفيذ خطته تشمل برنامج تعيين وتدريب القضاة الجدد وتطوير القضاة الحاليين وتأهيل المنشآت لمحاكم عصرية ووضع نظام إلكتروني «القضاء الذكي» وحزمة مقترحات لتعديل إجراءات التقاضي وإجراءات التنفيذ وتطوير النظام الإداري المساعد بحيث نصل مع نهاية 2020 -أي بعد خمس سنوات- إلى وضع يتابع فيه المراجع مسار شكواه أو قضيته عبر «الأون لاين» وبحيث نصل بنسبة حسم للقضايا إلى 80% بدلاً من نسبة الحسم الحالية وهي 20% من القضايا فقط التي تفسر سبب ضيق صدر الناس ويأسهم من النظام القضائي.
إن كلفة هذه الثورة القضائية تبلغ 15 مليون دينار مصحوبة بمؤشرات قياس واضحة ومحددة كماً وزمناً نستطيع من خلالها مراقبة وتقييم كفاءة هذه الخطة سنة تلو الأخرى بحيث لا تظل مجرد وعود وتمنيات أطلقت في الفضاء، مما يساعد في تحديد موضع كل دينار أين وعلى ماذا صرف؟ فليست هناك تقديرات مالية خارج الحاجة وغير مدروسة ومحددة.
المشكلة الآن أن الحكومة اكتفت بمنح السلطة القضائية تسعة ملايين فقط أي بقصور يصل إلى 40% من المطلوب، وهذا المبلغ لا يمكنه أن ينجز الأهداف المطلوبة ويصل إلى النتائج المرجوة، خاصة إذا علمنا أن الوضع الحالي يعالج بالترقيع وبالتأجيل فما بالك وأنت أمام نهضة جذرية وتغيرات تبدأ من القاع ومن الأساس؟
إن القرار الآن أمام السلطة التشريعية لتقدير أولويات المرحلة القادمة من المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وبديهي أن يكون تطوير النظام القضائي على رأس هذه الأولويات ودون توفير الاحتياجات الكاملة لخطة هذا التطوير سنضطر أن نخفض سقف توقعاتنا وستتحمل السلطة التشريعية الآن مسؤولية هذا القرار.
للمقارنة فقط بين كلفة هذه الإصلاحات وكلفة مشاريع أخرى نذكر فقط بأن كلفة تطوير تقاطع دوار كدوار ألبا-نويدرات بلغت 52 مليون دينار وقد خصصت له وبدأ العمل به، في حين أن تطوير منظومة قضائية لا يزيد عن 15 مليوناً ومع ذلك بخلنا عليها ومنحناها تسعة فقط! فهل يعقل هذا؟
إن فشلت السلطة التشريعية في تصحيح هذا الخطأ الفادح فإننا نرفع الأمر لجلالة الملك من أجل أن يجد حلاً لهذه المعضلة وينقذ المشروع الإصلاحي من هذه العقبة الكبيرة.