ما يضيع جهد الإعداد وجهد التهيئة للبرامج الحكومية هو أن «الشطة» أي الحماس الذي كنا نراه في بداية عرض برنامج الحكومة على السلطة التشريعية وتليها «شطة» الحكومة على تنفيذ توصيات تقرير ديوان الرقابة المالية لا تستمر برتمها الذي بدأت به تصريحات ولقاءات واجتماعات وأخبار يومية تشي بحراك جدي حماسي، بل سرعان ما تعود الأمور لرتمها السابق حيث تتكاثر من حولنا صور عدم التنسيق بين الوزارات وعدم الاتفاق على الأولويات وصور فتور المتابعة مقابل فتور في الأخبار الجديدة.
صور عدم التنسيق بين الوزارات والهيئات الحكومية حدث ولا حرج تعقد الأمور وتلقي أعباء إضافية على الدولة وتمسح أي جهد بذل في نشر التفاؤل بالحماس الجديد، وحين نستعرض أمثلة لغياب التنسيق وغياب المتابعة فنحن لا نطالب بالرد عليها لأنها مجرد نماذج إنما نشير إلى خلل أكبر وأشمل، فالتنسيق يحتاج إلى آلية اتخاذ قرار تحتم وضوح الرؤية وتحتم وجود مسالك واضحة بين الوزارات وتحتم وجود تسهيلات تمنع البيروقراطية وتمنح حجة للتدقيق كي تعطي مصداقية لحراك البداية الناجح.
قصة حظائر عراد وضياع المسؤولية بين البلدية والإسكان وقصة مواقف الريجنسي وضياع القرار بين إدامة والمؤسسة الوطنية لخدمات المعاقين ووزارة الثقافة سابقاً وقصة مهرجان «صيف البحرين» وضياع المسؤولية بين السياحة والثقافة وقصة ملكية أراضي الدولة الممثلة في الساحل البحري المقابل لشارع الغوص في المحرق وضياع المسؤولية بين وزارة التنمية ووزارة البلدية وقصص بناء المراكز الصحية وبقاؤها بلا إدارة وضياع المسؤولية بين الصحة والمالية وقصص الطاقم الإداري وضياع المسؤولية فيه بين المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل وقصة الطيران المدني والمطار وقصة تحديد السرعة على الشوارع بين المجلس الأعلى للمرور والداخلية وغيرها وغيرها العديد من الأمثلة والنماذج التي لا تعرف أين ولمن «ترد الراس» فيها، يجعلك تتساءل عن حقيقة ومصداقية الأهداف السامية التي رفعها برنامج الحكومة حين عرضها على المجلس النيابي ووافق على أساسها المجلس على البرنامج.
ثم نأتي لتوزيع الميزانية فنرى التفاوت في تحديد الأوليات بين من يرى شارعاً كتقاطع ألبا أهم ألف مرة من تطوير النظام القضائي أو أهم من موازنة الإعلام أو أهم من موازنة المراكز البحثية.
ثم نأتي للمتابعة فنسأل ماذا حدث للجان التحقيق الـ4 في قصة اللحوم، ها هي الشركة عادت للعمل ولا أحد يتحدث عن قضية وصلت للنيابة ولا أحد يتحدث عن قضية إعادة توزيع الدعم وقضية الدين العام وقضية العجز رغم أنها أولوية الآن، هل هناك متابعة للملفات القديمة ومتابعة لاحتياجات المستجدات منها؟ كيف نفتح ملفات وننساها ونتركها معلقة كالطبيب الذي يخدر المريض ويفتح بطنه على أمل استئصال الورم ثم يترك البطن مفتوحاً وينتقل إلى جراحة في المخ!
العملية تحتاج إلى قناعة بالرتم الجديد وتحتاج إلى شحن مستمر فمازلنا بأول هذا الطريق الجديد والعمل بالرتم القديم أصبح عادة وتأصل في جهاز بيروقراطي قديم صعب جداً أن تبقيه حيوياً بدون شحن مستمر.
الشحن يحتاج إلى حراك إعلامي متواصل وحراك اجتماعي متواصل ويحتاج إلى صلاحيات حازمة تمنح لوزارة المتابعة ولجانها فتكون لها اليد الطولى على بقية الوزارات في الأمور التي يحيلها المجلس الوزاري لمتابعتها.
إن نيل المصداقية واستحقاق الجدية لا يمكن أن يعطى مجاناً لمجرد خطاب إعلامي يطلق وعوداً في الهواء، ما لم تكن هناك خطوات ملموسة يعايشها المواطن على الأرض يراها في تناغم بين الوزارات ويراها في حسم وحزم إغلاق الملفات بعد فتحها.