كانت هويتنا مهددة، بل وجودنا. كثير من دولنا العربية تآكلتها الميليشيات وصبغها الدم. مآس كثيرة صارت معها نعمة الأمان والاستقرار قضية كبرى. صارت أوطاننا ساحات وملاعب، يحفر فيها الآخرون أنفاق ماضويتهم وثيوقراطيتهم ومصالحهم، استنهضت فجأة كل صراعات التاريخ لتصب في مصب واحد: إنهاء فكرة الدولة.
حين تضيع الدولة، يغدو كل شيء غير ذي قيمة أو جدوى، اسألوا السوريين والعراقيين والليبيين. قوة الموقف والقرار وحدها من ينقذ منطقة تضج بمكاسرة الإرادات من دمار محتوم شاهدنا طلائعه في دول كثيرة. إذن فلنتفق على مبادئ ثابتة ندفع عنها وندافع بأرواحنا. لا للتدخل الأجنبي في سيادة أي دولة، لا تهديد لأمن الدول المجاورة الذي هو في النهاية أمننا، فلسفة سياسية انبنت عليها عاصفة الحزم فحمتنا من انهيار المبادئ الذي سيستتبع بالضرورة انهيار أوطان كاملة. عاصفة الحزم أكدت رفض جعل أي دولة عربية «قاعدة لنفوذ ومطامع قوى إقليمية أجنبية هدفها بسط الهيمنة»، كما أكد جلالة الملك المفدى، حفظه الله، أمس في جلسة مجلس الوزراء. في الوقت نفسه الذي أكد خادم الحرمين الشريفين خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء السعودي الفلسفة الأخلاقية للعاصفة الخليجية العربية الإسلامية «لإغاثة بلد جار وشعب مكلوم».
بدا الأمر في القمة العربية الأخيرة بشرم الشيخ أنه غير قابل للمداورة أو المناورة، فكان لا بد من «صحوة عربية» كما سماها جلالة الملك. كنا نفتقد للمشروع، وكانت مشاريع الآخرين تعمل قتلاً وحرقاً على أرضنا، اليوم نحن أمام «انطلاقة مشروع عربي جديد» يحفظ هويتنا وكياننا. مشروع مسلح بالقوة وبتحالف عريض والأهم أنه مسلح بإرادتنا لتجنيب أوطاننا أوهام الآخرين ومغامراتهم.
نحن لسنا دعاة حرب، لكننا لسنا دعاة استسلام للواقع حين لا يسير في مصلحتنا. الميليشيات الإرهابية لا تتفق ومنطق الدولة ذات السيادة، الدعم الخارجي لا يمكن الدفاع عنه بمسمى الوطنية، ولا يمكن الدفاع عن الدين بشعارات طائفية، على كل هذا أن يتوقف في المنطقة كما أوقفته البحرين بحكمة بالغة، وغير مسموح اليوم لمصلحتنا جميعاً أن يلعب أحد على الأوتار الطائفية المذهبية فيشتت بلدنا الصغير الآمن، بل إن جلالة الملك ذهب إلى أبعد من هذا واقعاً فقال إن من يحاول ذلك «لن ينجح». فنحن جميعاً نسجد لرب واحد، وننتمي لدولة واحدة دون استقرارها دماؤنا.
يوسف البنخليل