بغض النظر عن تفاصيل الاتفاق بين الغرب وإيران بشأن الملف النووي وما سيتم التوقيع عليه في نهاية يونيو المقبل؛ فإن الأكيد هو أن الطرفين على موعد مع فترة من العلاقات الدافئة والقابلة للتحسن بشكل كبير، ما يتيح لإيران تحقيق الكثير من المكاسب وتطوير اقتصادها والظفر بامتيازات ظلت تحلم بها طويلاً، أبسطها فرض رأيها على دول المنطقة التي لن تتمكن من إدخال خيط في إبرة من دون أن تحصل على موافقة إيران، وبركتها.
ليس هذا تخويفاً ولكنه واقع ستشهده المنطقة قريباً شاءت أم أبت، وليست اتصالات الرئيس الأمريكي باراك أوباما بقادة دول التعاون فور التوصل إلى اتفاق إطار بين دول 5+1 وإيران في لوزان إلا محاولة لطمأنتهم بأن أحداً لن يتضرر من الاتفاق، وهو ما لا يمكن للعقل أن يصدقه، حيث يقضي المنطق بأن ربح البعض لا يمكن إلا أن يكون على حساب خسارة البعض الآخر، وللأسف فإن البعض الآخر هنا هو دول التعاون وليست إسرائيل، التي لولا وقوفها بقوة في وجه هذا المشروع إلى الحد الذي جعل نتنياهو يحاول الضغط على أوباما من خلال الكونجرس الأمريكي الذي ألقى فيه كلمة تحريضية مليئة بالعبارات العاطفية ومن خلال اللوبي الصهيوني هناك لأنجز منذ فترة طويلة، فما يهم دول الغرب والولايات المتحدة هو إسرائيل ومصالحها وليس أي دولة أخرى غيرها، حتى وإن كانت تحظى بـ«الأولوية» وتربطها بها مئات الاتفاقيات.
ما سيحدث بعد قليل هو أن العقوبات الاقتصادية سترفع عن إيران وسيقوى اقتصادها وستتمكن من المنافسة وفرض رأيها وصولا إلى قيادة المنطقة والتحكم فيها، لهذا فإن على دول التعاون أن تعمل لا على وقف الاتفاق الذي لا يمكن أن تنجح فيه مهما فعلت لأنه «فات الفوت»؛ ولكن على تقوية اقتصادها بحيث تتمكن من المنافسة ومقارعة الاقتصاد بالاقتصاد، فمن دون هذا سيكون وضعها صعباً، بل صعباً جداً.
الحقيقة التي يجب أن تضعها دول التعاون أمام عينيها دائماً هي أن الغرب يبحث عن أمرين أساسين؛ الأول مصلحته التي لا يمكن أن يفرط فيها، والثاني حماية إسرائيل التي هي بالنسبة له خط أحمر، إن تحققا باع كل علاقة مهما كانت متميزة ومربحة. ما تم الوصول إليه في لوزان هو بمثابة إعلان غربي ملخصه أننا نجد اليوم مصلحتنا مع إيران فـ«سامحونا.. والله لا يجيب زعل»، وما سيتم التوصل إليه في نهاية الموعد المقرر للمفاوضات في يونيو المقبل سيؤكد أن إسرائيل لن تتضرر وإنها ستفتح قناة اتصال جهرية مع إيران التي هي الأخرى قالت من خلال اتفاق لوزان إنها انتبهت أخيراً لنفسها وأن من حق شعبها عليها أن تبحث عن مصلحته، وأن مصلحتها مع الغرب الذي سيعلي من شأنها وسيمكنها ببساطة من السيطرة على المنطقة والتحكم فيها.
هذه قراءة لتطورات الأحداث بعيدة عن التفاؤل لكنها واقعية، وإن كنت أتمنى أن تكون مخطئة، فالمنطق يقول إن هذه الخطوة وتلك من شأنهما أن يفضيا إلى الخطوة الثالثة التي لا يمكن أن تصب إلا في مصلحة الطرفين اللذين قضيا ردحاً من الزمن يتفاوضان من دون أن نعرف ما يدور بينهما، وإلا فما هو تفسير اعتقاد كل طرف منهما بأنه الرابح الأكبر؟ أليست تصريحات المسؤولين الإيرانيين يفهم منها أن إيران هي الرابح الأكبر؟ وأليست تصريحات المسؤولين الغربيين يفهم منها أن الغرب هو الرابح الأكبر؟
ما ينبغي أن تتأكد منه دول مجلس التعاون هو أن ما أعلن ليس كل ما تم الاتفاق عليه، فهناك ما سيظل سرياً، وأن إيران حققت مكاسب قد لا تخطر على البال.