أخطر ما يكون على الدولة هو تأسيس الأعراف الخاطئة، والتي تحصل عادة بعيداً عن الرقابة الإدارية المباشرة. أخطر ما يكون على الدولة بالأخص إن كان من ضمن شعاراتها شعار «دولة مؤســات وقانــون» أن تكــــــون هنـــاك ممارسات تتضارب مع هذا الشعار بحيث لا تعترف بلوائح المؤسسات ولا تكترث بالقانون. كثيـــراً ما كتبنا عن التنظيم الإداري الصحيـــح المستوجب تطبيقه في كافة القطاعات حتى تسير بشكل علمي مدروس وتحقق أهدافها المرجوة، وربطنا ذلك بضرورة وضع الأشخاص المناسبين من ناحية المؤهل والكفاءة والخبرة والأمانة والذمة والضمير والإخلاص والولاء.كل هذا الكلام جميل، وتمضي فيه الدولة كقناعة معلنة لديها، وتتضح من خلال شعاراتها وتصريحاتها، لكن على أرض الواقع هناك حالات تكشف خلاف ذلك، سببها نسيان بعض المسؤولين لأدوارهم والمسؤولية الملقاة على عاتقهم من وقع التكليف وما هو مأمول تحقيقه منهم، سواء على صعيد الإصلاحات أو التطوير أو الإنجاز. للأسف نقولها بأن بعض القطاعات مازالت تدار بسبب أشخاص في مواقع المسؤولية نسوا أنهم في موقع خدمة المجتمع والعمل بأمانة ووفق المعايير والضوابط، فحولوا القطاع لأشبه ما يكون ببيت أو ملك خاص. في بعض القطاعات يحكم نوع من المسؤولين فيها بأسلوب «أنا ربكم الأعلى» والعياذ بالله. كلمته تسري على الجميع حتى لو كان مضمونها خاطئاً أو تتعارض مع أساليب الإدارة الصالحة أو تخالف أعراف وضوابط الدولة.للأسف بعضهم يتحكم في كل شيء، في مصائر الموظفين، من يعجبه ويكون من حاشيته يقرب ويعز مقداره وتطاله الترقيات والحوافز والتكريم حتى إن لم يستحق، وبعضهم يحول السفرات في مهام رسمية لأشبه ما يكون بالمكافآت يمنحها من يريد. حتى في التعيينات وترشيح للمناصب تكون حسبة المسؤول من على هذه الشاكلة مبنية على الولاء ومرتبطة بالحاشية عوضاً عن مهام الاختصاص والكفاءات والمؤهلات والتراتبية والأقدمية، وفي هذا الشأن خير أن أنشئت اللجنة الحكومية للتعيينات لضبط العملية، لكن الملاحظ أن هناك ترشيحات تعقبها تعيينات لأشخاص تثار حولهم تساؤلات بشأن ترشيحهم وتفضيلهم، ولأن البحرين صغيرة والحديث واللغط يكثر في أوساط القطاعات تكتشف ما يندى له الجبين بأن الترشيح لم يكن وفق معايير وضوابط صحيحة ومبنية على أسس الاستحقاق، فقط المعيار هو بأن الوزير أو المسؤول يريد هذا الشخص أو ذاك حتى لو لم يكن يستحق أو كان غيره كثيرون يستحقون قبله.وعن عمليات التهميش والضغط والتطفيش لا تسألوا، فقد تشيب الرؤوس، إذ بعض هؤلاء المسؤولين يبرعون بل يبدعون في ابتكار ألف وسيلة ووسيلة لتطفيش الناس، والمؤسف حينما يكون المتضررون من ذوي الكفاءة والمؤهل والقدرات. كارثة بعض هؤلاء المسؤولين تكون حينما يكتشف وجود عناصر مميزة وفاعلة لا تقبل بالأخطاء وتتكلم لأجل التصليح والتصحيح، هنا يدق ناقوس الخطر، فبدلاً من تقريب هؤلاء والاستفادة منهم ومن صراحتهم وخوفهم على المكان، يكون العمل باستماتة لإبعادهم أو تطفيشهم لأنهم في عرف هؤلاء المسؤولين مصدر قلق وتهديد لاستمرار النهج الخاطئ. هنا نتساءل عمن يحمي الموظف ويجنبه التعرض للضغط والاستهداف أو التهميش أو إيقاع الظلم إن استهدفه المسؤول؟! أليست الدولة وجهازها الرقابي والإداري؟! أفترض ذلك، لكن في الوقت نفسه لم نسمع عن تظلمات تقدم بها موظفون في مقابل وزراء ومسؤولين وأخذ لهم الحق، أو أن تمت محاسبة مسؤولين على سوء إدارة صارخ وفاضح. معيب جداً في بلد مؤسسات وقانون أن ينهج مسؤولون هذا النهج الخاطئ، وأن يستفيد الحاشية والبطانة بدون وجه حق على حساب الكفاءات والمخلصين. أتمنى يوماً أن يعي مثل هذه النوعية من المسؤولين بأن الإدارة فن وعلم قبل ذلك، وأن الإنجاز يكون بإدارة القطاع بشكل صحيح وعادل دون التحيز لفئة ودون إيقاع الظلم على أخرى وفق أهواء وحسبات شخصية، والأهم الإخلاص لأعراف الوطن وقيمه ومبادئه. لا بد من محاسبة كل وزير أو مسؤول يحول قطاعه وكأنه ثكنة عسكرية يصدر فيها الأوامر وعلى الجميع إطاعتها حتى لو خالفت قوانين الدولة ولوائحها وإلا لهم الويل والثبور.هؤلاء تنبغي محاسبتهم وإنزال الرحمة بالقطاع ومنتسبيه بكف شرهم وسوء إدارتهم، وأفضل الحلول هنا بإجلاسهم في بيوتهم وإبدالهم بمن هم أكفأ وأنظف ومن يمتلكون ضميراً يجعلهم يتذكرون دوماً أنهم في مواقعهم لخدمة البلد والناس ومعاملة الموظفين بالعدالة والإنصاف.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90