ليس من الغريب أن يتقدم مجلس بلدي المنطقة الشمالية الحالي بطلب الموافقة بفتح محلات تجارية للمؤسسات الدينية والخيرية وغيرها على الشوارع غير المطلة، فقد سبقه المجلس البلدي السابق للمنطقة الشمالية، حيث تقدم بمقترح استغلال أراضي المقابر للاستثمار، مدعياً وجود مساحات في مقبرة المحافظة الشمالية تصلح للاستثمار لتعود بمردود مالي لصالح المقابر.
إنها العشوائية في فتح المحلات التجارية وسط المناطق السكانية التي تسببت بها المجالس البلدية السابقة في تحويل المناطق السكنية إلى أسواق، هي التي شجعت هذا المجلس للتقدم باقتراح فتح محلات تجارية في المقابر، واليوم تحويل المآتم والمساجد والأندية والجمعيات داخل المناطق السكنية أو على الشوارع غير المطلة إلى مجمعات تجارية، عندما يتسع السور لفتح أكثر من محلين أو ثلاثة أو أكثر.
ولنقارن البحرين بدولة الكويت، فقد استطاعت الأخيرة ومنذ عقود أن تنظم عملية فتح الأنشطة التجارية، حيث حصرتها في المجمع التجاري لكل منطقة والتي تشمل الجمعية التعاونية والمطاعم والمخابز وكافة أنواع الأنشطة التجارية التي يحتاجها المواطن بشكل يومي ومستمر، مما أعطى جمالاً للمناطق السكنية، حيث استغل المواطنون المساحات المتوفرة أمام منازلهم لزراعة الأشجار، وأصبحت هذه المناطق آمنة من الناحية المرورية، إذ إن ارتياد هذه الشوارع يقتصر على أهالي المنطقة، بعكس مناطق وشوارع البحرين التي كلما مررت بها ازداد فيها التخطيط من سيئ إلى أسوأ، وزادها على ذلك تخبط المجالس البلدية التي سعى أعضاؤها لمحاباة المواطنين لضمان أصواتهم للدورة الانتخابية في المجالس البلدية، وبعضهم طموحه يأخذه إلى ضمان مقعد بمجلس النواب، دون الاكتراث بالعواقب والمخاطر التي يترتب عليها التخبط والعشوائية في تحويل المناطق السكنية لأسواق، الأمر الذي يدل على عدم وعي المسؤولين في المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، وجهل أعضاء المجالس البلدية الذين لا تتوفر لدى بعضهم أدنى ثقافة عمرانية ولا بيئية، بل الأصل هم لا يهمهم ذلك، بقدر ما يهمهم تحسين صورتهم أمام أهالي المنطقة.
إنها كارثة حين تتم الموافقة على فتح محلات تجارية على الشوارع غير المطلة للمؤسسات الدينية والجمعيات الخيرية والأندية، وقد يصل ذلك إلى المقابر، وبالتأكيد ففتح المحلات التجارية على الشوارع غير المطلة لن يتوقف عند هذا الحد، بل ستضطر المجالس البلدية لإصدار التراخيص للمباني والمنازل المطلة على نفس الشوارع، إذ لا يمكن تفصيل القانون وتجزئته بين مبنى ناد وبناية سكنية، وبالطبع القانون لن يكون مقتصراً على المنطقة الشمالية؛ بل كل مناطق البحرين الأخرى.
إن هذا الحال المائل لن يعتدل طالما هناك من يعطي مجالاً للنظر إلى مثل هذه الرغبات ودراستها، مما يدل بأن المؤسسات الحكومية الأخرى ليس لديها أيضاً استراتيجية لا قصيرة ولا حتى طويلة، في الوقت الذي نرى فيه دولاً خليجية لديها استراتيجية عمرانية وتنمية حضرية حتى 2040، هذه المؤسسات لديها استراتيجية «مطاطة» يمكن أن يتم التحايل عليها، أو قد يكون هناك بعض المحاباة والتعاطف من قبل المسؤولين في هذه المؤسسات مع المجالس البلدية، وذلك عندما تكون المرجعية هي رغبة المواطن مع مبادرة المجلس البلدي مع موافقة المؤسسة الحكومية المعنية بذات الشأن، حتى يخرج بعدها تحويل «دواعيس» وممرات المناطق السكنية إلى محلات تجارية، أو تحويل شارع لا يكاد تمر منه سيارة إلى شارع تجاري، فيه يبحث الشخص عن ممر آمن يعبر فيه طريقه، حيث يصبح المرور في هذه المناطق مسألة نجاة أو موت.
ننصح أعضاء المجالس البلدية والمؤسسات المعنية لأخذ جولة في دولة قطر والكويت ومقارنة تخطيطها العمراني وبين ما آلت إليه مناطق البحرين الحدثية من عشوائية وفوضى في التنظيم، فالفرق أصبح شاسعاً في الجمال العمراني المنظم، والذي يعكس وجه الدولة الحضاري، ومدى حرص مؤسساتها الخدمية على تطويرها على الأسس العلمية المدروسة، إذ كلما كان التخطيط الحضري مبنياً على الدراسة أصبحت الدولة أكثر تقدماً من الناحية العمرانية والتنظيمية، والتي من أهم أسسها الأخذ في الاعتبار المشكلة المرورية، ومقدار استيعاب شوارع المناطق للمشاريع والأنشطة التجارية وغيرها، حيث نرى في البحرين أن التخطيط لمشاريعها أو في حالات تشريع قوانينها المرتبطة بالتنظيم ومشاكل المرور والكثافة السكانية وطبيعة المنطقة كل ذلك بعيد عن الواقع، وكأن هذه المشاريع والأنشطة التجارية سيكون تنفيذها في صحراء الربع الخالي أو في كوكب المريخ.
- للتذكير..
صرح مدير عام بلدية المنطقة الشمالية في يونيو 2014، أنه تم وقف اعتماد شوارع جديدة مستحدثة بالكامل بسبب التشبع، وأن هناك شكاوى كثيرة وردت للمجلس البلدي جراء امتدادات الشوارع التجارية وتأثيرها على الحركة المرورية ومواقف السيارات وإزعاج الأهالي.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}