لم نعد نرغب في الخروج من منازلنا، وذلك بسبب ازدحام الشوارع بالسيارات إلا للضرورة القصوى أو ما شاكل، فالوقت الذي ينفقه المواطن البحريني في شوارع البحرين كاف لإنجاز الكثير من الأعمال المهمة في حياته اليومية والمهنية والعائلية، لكنه يقضي الكثير من وقته متنقلاً بين شارع مزدحم أو تحت رحمة إشارة ضوئية غبية أو دوار وضع بطريقة ساذجة.
إن إهدار مئات الآلاف من «الساعات» للمواطنين وغير المواطنين في شوارع البحرين المزدحمة كل يوم، يمكن لها لو استغلت تلك الساعات في تطوير البحرين لكانت كافية في بناء الكثير من المشاريع المفيدة للدولة، لكنه العناد أحياناً، وعدم التخطيط في صياغة شوارع يمكن أن تخرجنا من ظلمات الازدحامات إلى نور الشوارع المنظمة، هو السبب الرئيس في هذه المعضلة الوطنية.
استعرنا كلمة «عناد» في قضايا عدم تخطيط وترتيب شوارع البحرين، لأن كل المقترحات والمناشدات والنصائح وتوجيه النظر للأخطاء الخاصة بتخطيط الكثير من شوارعنا من طرف كل الجهات الإعلامية وحتى من طرف المواطنين، لم تلقَ آذاناً صاغية عند الجهات المعنية بتطوير الشوارع، وكأن من قام بهندسة بعض شوارعنا التعيسة هو أحد المرسلين، من الذين لا يمكن لهم أن يرتكبوا خطأ في مجال عملهم، ولهذا فإن الكثير من المناشدات الإعلامية والشعبية ضاعت بين صمت المؤسسة الرسمية أحياناً وبين تجاهلها في أغلب الأحيان.
الوقت المستغرق والمعتاد للتنقل من منطقة إلى منطقة داخل حدود البحرين الصغيرة، ربما لا يستغرق أكثر من عشر دقائق في أبشع الظروف والأحوال، الآن، اختلف الأمر، فأصبحت ذات المسافة اليوم كي نجتازها، نحتاج إلى ساعة كاملة في أغلب الأحيان، والسبب هو، وجود شوارع غير متسقة ومريحة في حركة رسمها وعند مخارجها ومداخلها. دوارات قديمة، وإشارات بليدة، وشوارع ضيقة ومنحنيات تتصف بالإعاقة، إضافة لازدياد عدد المركبات المستخدمة في شوارع البحرين، كل ذلك وأكثر، أثر وبشكل مباشر في حركة تنقلات المواطنين بين مدينة وأخرى، هذا ناهيك عن إضاعة وقت الناس «ع الفاضي» في حين كان بالإمكان أفضل مما هو موجود.
يجب أن تقوم كل الجهات المعنية في هذا الشأن، بثورة تصحيحية للكثير من شوارعنا القديمة، إذ لا يمكن أن يعقل أن نسير على ذات الشوارع التي تأسست منذ نحو 60 أو 70 عاماً أو أكثر من اليوم، كما لا يمكن الوثوق بنظام الكثير من الإشارات الضوئية التي لم يتغير وضعها منذ ذلك الزمن الغابر وحتى هذه اللحظة، مع تجاهل زيادة عدد نسمات البحرين وعدد السيارات المستخدمة في شوارعنا بشكل ملفت للأنظار.
لا يمكن أن نثق في نظام مروري أو نظام هندسي يقومان باستهلاك كامل وقتنا عند إشارات ضوئية لا تتناسب مع هذا العصر، ولا يمكن الوثوق بهما حين تستطيع أن تصل إلى محل سكناك في ثلاث دقائق لتنقلب إلى 30 دقيقة، ولذا يجب على الجهات المعنية بهذا الشأن كما ذكرنا مراجعة كافة أنظمتها المتعلقة بالشوارع، وصياغتها بشكل يتناسب وحجم التغيرات والتطورات التي شهدتها مملكة البحرين في الأعوام الأخيرة، وذلك رأفة بالناس واحتراماً لأوقاتهم الذهبية ومشاعرهم المرهفة.
نحن لا نريد أن نقلل من العمل المضني الذي تقوم به تلك الجهات مشكورة، ومحاولاتهم المستمرة لتطوير بعض الشوارع، لكن هذا لا يعني أن نصمت عن حجم الألم اليومي الذي نعاني منه في شوارع الوطن، فلربما الصراخ على قدر الازدحام وإهدار الوقت الثمين.