لست أدري إلى متى سأعكف على حزني الفلكلوري يوم 9 أبريل من كل عام، يوم سقوط بغداد في يد الأمريكان! ولم أعد أذكر، تحديداً، السبب الذي جعل ذلك اليوم يوماً فاجعاً! هل لأن بلداً عربياً ثانياً، بعد فلسطين، وقع تحت الاحتلال؟ ربما كان الحدث صادماً وجللاً يومها ولكن ربما لم يعد كذلك اليوم. ولا أعرف، هذا العام، كيف أعبر عن حزني التقليدي وقد حل الخراب في المحيط العربي في وضع لا سابق تاريخياً له! ولا أفهم لماذا باغتتني مأساة مخيم اليرموك، في سوريا، وسيطرت علي لتصير الطقس البكائي الذي انتهجته والذي سأتابع تطور أحداثه استشعاراً لامتداد مأساة سقوط بغداد فيه!!
مخيم اليرموك في دمشق هو من أقدم مخيمات الشتات الفلسطيني وأكبرها، كان يعيش فيه ما يزيد على 160 ألف فلسطيني، مع بداية أحداث سوريا تم الترويج بأن الجيش السوري يحاصر المخيم ويقتل الفلسطينيين لتضامنهم مع الثورة السورية، وقد اشتبكت على خط أحداث اليرموك فصائل فلسطينية دخلت في ما يمكن تسميته عمليات تصفيات حساب ضد بعضها مستغلة الدم الفلسطيني. واليوم بعد مرور أكثر من أربع سنوات تبين جهاراً أن تنظيم داعش وجبهة النصرة هم من كانوا يحاولون احتلال المخيم باعتباره موقعاً مهماً وحساساً داخل مدينة دمشق التي مازالت بعيدة عن سيطرة تلك التنظيمات الإرهابية.
لا مجال، في مقام البكاء على بغداد، لطرح تفاصيل قضية مخيم اليرموك، يكفينا فاجعة أن حركة حماس كانت شبه متعاطفة مع التنظيمات الإرهابية، وأسست حركة ظل لها ممثلة في جماعة «أكناف بيت المقدس»، وهي اليوم أكبر ضحايا داعش والنصرة وأكثر الرؤوس تقطيفاً في المخيم، هذه الفاجعة تشخص لها القلوب العربية وهي تستحضر كيف تغامر القيادات الفلسطينية في الدم الفلسطيني في رهانات خاسرة لا ناقة للفلسطينيين فيها ولا جمل، وبرغم تعقيد قضية مخيم اليرموك إلا أنه ببساطة نموذج لتشرد المشردين وقتل أبناء المقتولين، وشكل من أشكال تصفية القضية الفلسطينية وأحد أوجهها حق العودة؛ إذ يبدو أن أي فلسطيني لن ينعم بالاستقرار والحياة مادام مقيماً على أرض عربية تطل على الحدود الفلسطينية!!
كان العراق البلد الثاني الذي يتحلل، بعد الصومال، غير أن الصومال كان بلداً هشاً، وكان العراق عملاقاً عظيماً. التحلل الليبي هو نسخة طبق الأصل لما حصل في العراق، ويفترض أن تسير سوريا في الطريق ذاته.
باختصار نحن نعيش زمن التحلل العربي؛ حيث تنحل الدولة من مفهوم الأمة الذي ينبغي أن يسودها إلى مفهوم الهويات الجزئية التي نخرت في العراق ثم تفشت في أغلب الأقطار العربية حتى بدأت تنخر في اليمن، ومن الواضح أن الانقسام إلى الهويات الجزئية أفرغها من غنى التنوع فيها وأخرج من بين شقوقها الإرهاب الأسود، وبدل أن نواجه جيوشاً خارجية محتلة صرنا نواجه جيوشاً داخلية مختلة، وكلفة القضاء عليها أخطر بكثير من كلفة القضاء على المستعمر الأجنبي.
لا شيء واضحاً أمامنا؛ فالعتمة قد حلت حالكة يستعصي معها أن يشق ظلامها أي من قناديلنا البائسة، ولا أحد يزعم أنه يستطيع فك تشابك الخيوط الملتوية على بعضها في أحداثنا العربية، وأظن أن أكثر الناس قدرة على قراءة الوطن العربي والتعامل معه هو السيد رجب طيب أردوغان، فقد خرج علينا أردوغان يوم بدء قوات التحالف معركة عاصفة الحزم ضد ميليشيا الحوثيين في اليمن مهدداً إيران وآمراً إياها بسحب نفوذها وتدخلها في اليمن ووقف دعمها لجماعة الحوثي، وبعد أن خرج إطار الاتفاق المبدئي بين إيران وأمريكا حول ملف إيران النووي، وبدأت مؤشرات فك الحصار الاقتصادي عن إيران، كان أردوغان أول زعماء العالم الذين حجوا إلى إيران ووقع ما يزيد على ثلاثين اتفاقية اقتصادية مع ملالي إيران! تعامل أردوغان الانتهازي مع القضايا العربية يعكس بجلاء أي منحدر وقع فيه العرب، تلك الانتهازية والازدراء من السيد أردوغان سيقابلها تصفيق وتهليل من كثيرين مازالوا يرون في أردوغان خليفة المسلمين السنة، وسلطانهم العثماني المتوج.
ولست أدري إن دار عامنا هذا، وكنا من أهل الدنيا والسلامة، على أي حال ستكون أحوالنا، وعلى من سنبكي، هل سيأتي زمن الفرح والاحتفالات؟ لست أدري! ومن يدري؟ لا ندري أيضاً! فقد صارت خيوط اللعبة متفلتة خارج الأيدي العربية، ودخل العرب زمن التيه الأكبر في تاريخهم.