كثيراً ما نردد جملاً تعكس حالات الاستياء الدائمة التي نمر بها يوماً بعد يوم، والتي أصبحنا نعتقد أن الجدل والكلام بها ليس له مردود إيجابي يذكر إلا ما ندر، لذا فكثيراً ما تسمع أحدهم يقول «أنا ما بدي أحكي»، «ما عدت أتدخل»، «كل إنسان حر بحياته» و«كل إنسان مسؤول عن تصرفاته».
إلا أنك تجد نفسك فجأة خارج صندوق الصمت الذي عهدت لذاتك أن تكون داخله لتنكسر معها قيود رباطة الجأش التي عرفت بها عندما تصادفك أفعال غير مسؤولة من أناس عمدوا إلى التحقير من حياة الآخرين وتطاولهم على كراماتهم فقط من باب الدعابة والمزح معتقدين أن بتصرفاتهم هذه سوف تزيد من إعجاب المؤيدين وإذا بردات الفعل تكون على غير المتوقع ومثل ما يقول المثل؛ ينقلب السحر على الساحر، ويقع فريسة شره ونواياه الدنيئة.
حقيقة إنني لا أتحدث عن الحروب والمجازر التي ترتكب كل يوم بحق الأبرياء وحالات التشرد والتهجير الدائمة التي نسمعها في نشرات الأخبار لدرجة بتنا الآن في مرحلة إذا سمعنا فقط عناوين الأخبار ولم يذكر وقوع عدد من القتلى أو الجرحى في مكان ما، نعتبر أن هذه النشرة يتخللها خلل ما.. ولكنني أتحدث عن الأمور الإنسانية البحتة الخالية من الأسلحة النارية والمقاتلات الحربية، أتحدث عن الأشخاص التافهين بأفعالهم التي يعتقد مرتكبوها أنها بسيطة جداً وإنما تكون حقيقة بمثابة زلزال غير إنساني تهز به كل مشاعر الإنسانية لأناس يعرفون جيداً معنى الإنسانية.
أعتقد أنني كغيري من الذين سمعوا بالجرم الذي قام به أحد عديمي الإنسانية منذ فترة أسبوعين عندما قام بوضع قط داخل قفص وعمد إلى حرقه، متباهياً بعمله البطولي هذا وعرض المقطع على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أثار حفيظة العاقلين وانتشر المقطع بسرعة الصاروخ إلى أن أُخذ قرار من السلطات المختصة بالبحث عن الجاني ومحاكمته.
وبالأمس أيضاً تم تداول صورة «سيلفي» وصنفت أنها أسخف أو -بالمعنى الأصح- أحقر سلفي يتم تداوله لهذا الشهر، وهي عبارة عن رجل يصور نفسه وخلفه مكب كبير للنفايات وداخله طفل صغير يبحث عن قوت يومه من المكب. ولم يكتف صاحب الصورة بالتصوير وإنما أرفق معه تعليقاً أسخف من تصرفه ومن الصورة بحد ذاتها.
ولأن القدر يريد أن يستهزئ بصاحب الصورة السيلفي وينصر الطفل البريء الذي لا يحمل جرماً في هذه الحياة سوى أنه فقير، فما كان من جموع أهل الخير والكرامة والمروءة والإنسانية إلا رصد مبالغ قيمة جداً لمن يعثر على الطفل الموجود في مكب النفايات الظاهر خلف الشخص الذي قام بتصوير نفسه وكان عامداً إلى إظهار ذاك الفتى. رد فعل يثلج القلب المتعطش للحظات مفعمة بالمروءة والإنسانية في زمن بات فيه قتل الأرواح أسهل من تناول كوب شاي.
بلاشك أن ما خفي كان أعظم من ذلك بكثير إلا أن المبادئ الإنسانية لا تتجزأ.. فلا بد من احترام البشر والحيوانات والشجر والحجر.
وصدق الرسول الكريم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام عندما قال، «في كل كبد رطبة أجر».