قبل أن يأتي يوم تشهد فيه العيون التي شاهدت والأصابع التي كتبت واللسان الذي ينطق، يجب ألا نصمت عن دماء أهل السنة في العراق التي سفكت وأعراضهم التي انتهكت وأطفالهم التي ذبحت، هذا الصمت الإعلامي الرهيب الذي لا يتطرق إلى هذه الجرائم الفظيعة، فلم تعطها قناة عربية حقاً، ولا صحيفة من صحفها مساحة ومكاناً تستعرض فيها صور وجثث أهل السنة ليفكر هذا العالم قبل أن يحرك عجلة طائرة، من هو الذي يجب أن تعلن عليه الحرب، ومن الذي يجب أن تطهر منه الأرض، هل هي فلول داعش التي ستنتهي وتذوب عندما تكون هناك حكومة تحمي الشعب، أو أنه قطعاً وتأكيداً سيكون داعش وألف داعش، عندما يكون هدف هذه الحكومة إبادة مكون رئيس للشعب ألا وهم سنة العراق، الذين لا يحشد لهم إعلام ولا تطير لأجلهم طائرات تحالف تحميهم من فلول حشد طائفي، أهل السنة الذين لم تتوقف عن رقابهم السكين منذ 2003، يذبحون يعدمون يحرقون، ومازال الإعلام متجمداً، قد يذكر في النشرة بعض الشيء على هامش السيرة، وأما باقي الجرائم فعنها الإعلام يتكتم، وكذلك السفارات العربية لا تهتم ولا تتأثر، فالعلاقة تمام التمام، وكأن من يذبح في العراق خراف، وكأن الأبدان التي تشوى دجاج، ولهذا سكت الإعلام عن حرق عمر، وثار لأجل الكساسبة، ليس لأجل الكساسبة، بل لأجل القضاء على من تبقى من أقارب وجيران عمر.
ومقارنة بين إعلام لجريمة وصمت إزاء جريمة، وكيف لاقى حرق الطيار الأردني الكساسبة من قبل «داعش» حشداً إعلامياً عالمياً عربياً خليجياً زلزل شاشات التلفزيون، إعلام لم تكن تلاقيه جريمة إبادة لأكثر من مليوني عراقي سني، لم يكن يلاقيه اغتصاب نساء السنة في سجون الحكومة العراقية الطائفية، التي كم وجهت نساؤهم رسائل الاستغاثة تستنهض الأمة الإسلامية، وهنا ليس القصد الاستهانة بحرق الطيار الأردني أو التقليل من جرائم داعش، ولكن هناك طامة جاءت مكانها ما يسمى بميليشيات الحشد الشيعي التي ساندها التحالف الدولي عندما قام بضرباته الجوية ملاحقاً فلول «داعش»، في الوقت الذي قامت فيه الحشود الشيعية بحرق المناطق السنية واغتصاب نسائها وذبح رجالها، تلك الخطة التي نجحت أمريكا وإيران في تنفيذها، بعد أن أقنعت الدول المشاركة في هذا التحالف بأكذوبة ما يسمى «داعش»، ولعبت لعبة ماكرة عندما صورت مقاطع هروب الجيش العراقي أمام فلوله، حتى تصنع حشداً شعبياً شيعياً لا أحد يمكنه محاسبته ولا محاكمته عندما يبيد الملايين من أهل السنة، الذين بدأت انتفاضتهم، ضد الاحتلال الإيراني، فما كان منهم إلا أن قاموا بإحكام الخدعة التي منها يسعون لتحقيق أمنيتهم بأن تطفأ جذوة أهل السنة في العراق إلى الأبد.
كما لم يكن لنصيب إعدام 70 عراقياً سنياً من أهالي بروانة الكبيرة التابعة لمحافظة ديالي، أي مقطع أخباري ولا حتى ربع حشد إعلامي، مثلما لاقي حرق الكسباسبة، 70 عراقياً سنياً تم اختطافهم من قبل ميليشيات الحشد الشيعي عندما كانوا يفرون من القتال ضد مسلحي داعش، أعدموا بسلاح إيراني وبتوجيهات المرجعية وسليماني وها هو المجرم قاسم الأعرجي أحد قياديي هذا الحشد يعترف بلسانه ويقول: «لولا الأسلحة والدعم الإيرانيان لسقطت بغداد بيد داعش»، إذن لم تكن «داعش» هي القضية، بل كان أهل السنة هم القضية، إنها قضية وجود سنة في العراق، هي قضية تزعج إيران، وتزعج الحكومة العراقية الطائفية، إذن الحشد الإعلامي للكساسبة ليس انتقاماً له، بل كان هذا الحشد للقضاء على مليونين آخرين من أهل السنة، وهكذا تتم إبادة أهل السنة جماعياً من العراق.
وبالتأكيد لن يلاقي حرق الطفل عمر ذي الـ11 عاماً، أي حشد إعلامي، الطفل عمر الذي أحرقته ميليشيات الحشد الشيعي، حيث كان مكان الحادث في المنطقة الشرقية في محافظة ديالي، عمر الذي لم يعرض الإعلام جثته المتفحمة المتوكئة على الجدار الذي أسند ظهره إليه عند تنفيذ عملية الحرق، كما عرض جريمة حرق الكساسبة، عمر الذي كان ضحية التحالف الدولي حين أطلقت يد هذا الحشد التتاري الذي لن تقوم الحكومة العراقية بنزع سلاحه، فهو جاء لها كالهدية، وذلك حين تتبرأ الحكومة العراقية من جرائمه وتدعي أنها لا سلطة لها عليه، كما لن تكون هناك إدانة عربية ولا غربية، لأن هذه الجرائم التي ارتكبت سيكون بالتأكيد تبريرها أنها نتيجة الحرب على داعش، ولذلك لن تكون هناك حاجة إعلامية أبداً عن حرق عمر، عمر الذي لن تتحرك عجلة طائرة لأجله، ولم تنتفض دولة لحرقه.