خرج الاتفاق المبدئي بين إيران والغرب حول ملف إيران النووي للعلن في وقت حرج؛ حيث تقود قوات التحالف العربي حرباً ضد التمدد الإيراني في اليمن. ونتج عن هذا الاتفاق تصريحات إعلامية متناقضة يصعب الربط في ما بينها ولكن وضعها بالتجاور والتوازي مع بعضها قد يعطي مؤشرات دالة تستوجب التوقف أمامها والتنبه إلى نتائج مستقبلية مقلقة قد لا ترصد في الحسبان في اللحظة الراهنة.
يوم الخامس من أبريل الحالي خرج علينا الرئيس الأمريكي السيد أوباما في مقابلة صحافية مع الكاتب الأمريكي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط توماس فريدمان موجهاً كلامه لحكام الخليج بأن الخطر الذي يتهدد بلدانهم ليس إيران، بل هو السخط الشعبي وانسداد الأفق السياسي وتلاقي حالة السخط مع الأيديولوجيا الهدامة المتمثلة في الجماعات الإرهابية.
واستطرد أوباما قائلاً إن أمريكا على استعداد لدعم حلفائها عسكرياً وحمايتهم من أي غزو خارجي، لكن، في المقابل، على تلك الدول التعبير عن إرادة أكبر «للمشاركة» بقوات على الأرض في المشكلات الإقليمية؛ معرباً عن استغرابه لعدم «قتال» العرب في سوريا لوقف انتهاكات الأسد لحقوق الإنسان في سوريا! وتأتي هذه المقابلة الصحافية المهمة والمثيرة قبل شهر تقريباً من لقاء أوباما مع حكام الخليج في كامب ديفيد وتأكيده بأنه سيناقش معهم، بشكل رئيس، التحديات السياسية «الداخلية» لبلدانهم.
تصريحات أوباما يفهم منها، على المدى القريب، مغازلة للجانب الإيراني للخروج بمكاسب مجزية من الاتفاق النووي على حساب عرب الخليج. غير أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التي صدرت بعد ثلاثة أيام تقريباً من حديث أوباما خلقت تشويشاً في فهم المسار الحالي للعلاقات الأمريكية الإيرانية؛ إذ يقول كيري إن أمريكا على علم بالدعم الإيراني للحوثيين في اليمن، وإن أمريكا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام زعزعة الأمن في كل المنطقة وإنها لا تتطلع إلى المواجهة مع إيران، غير أنها لن تتخلى عن حلفائها في الخليج!!. وقد تزامن تصريح كيري مع إعلان إيران إرسال قطع عسكرية بحرية إلى باب المندب لـ»حماية مصالحها هناك».
وأخيراً تحدث السيد علي خامنئي أكبر مرجع رسمي في إيران حول كل تلك القضايا، مشيراً إلى أنه لا ضمانات لإبرام اتفاق نهائي مع الغرب بشأن الملف النووي وأن عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من التوصل إلى اتفاق سيئ، كما أشار إلى أن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بشكل تدريجي أمر مرفوض والمطلوب هو رفع فوري وشامل للعقوبات، وانتقد عاصفة الحزم ولجوء دول الخليج إلى الحرب في اليمن.
قراءة التصريحات السابقة في السياق الملتهب الحالي تنطلق من أن دور الإعلام الحديث لم يعد وسيلة «إعلام» فحسب، بل صار وسيلة من وسائل التشويش والتلبيس وخلط الأوراق وأداة من أدوات التعبئة الحربية، ففي الأيام القليلة الماضية ساد حديث كثير عن حركة اتصالات واجتماعات لخلق وساطات سياسية لحل الأزمة في اليمن. هناك حديث عن مبادرة عمانية وعن تفاهم إيراني تركي من جهة، وتحركات مصرية باكستانية من جهة أخرى، وأعلن الحزب اليمني الاشتراكي عن مبادرة بدت مرضية للكثير من الأطراف اليمنية والإقليمية. غير أن كل الحديث السابق عن مخرج سلمي يتراجع أمام تواجد قوات عسكرية إيرانية تقف معادية لقوات التحالف العربي. إذ إن المشهد قد صار مشابهاً لوضع النار الملتهبة على مقربة من بئر غاز مكشوف. وأبسط مسببات الاشتباك العسكري الذي قد يكون محتملاً هو الاستفزاز أو النيران الصديقة التي ضلت طريقها نحو العدو.
المعطيات السابقة لا تزودنا بتوقعات واضحة لما يمكن أن يقع، لكنها تطرح أمامنا أسئلة خطيرة؛ هل قررت إيران خوض معركة عسكرية مع التحالف العربي؟ وإن قررت إيران ووقعت المواجهات؛ فهل ثمة تفاهمات بين أمريكا وإيران حول تقسيم مغانم الحرب؟ هل التواجد الإيراني في باب المندب أداة ضغط على الغرب لتقديم تنازلات أكبر تجاه الملف النووي الإيراني؟ وهل ستلعب إيران بورقة تواجد القاعدة عند باب المندب لترد على غزل المقابلة الصحافية لأوباما التي شدد فيها على أن الأولوية يجب أن تكون لمحاربة الإرهاب؟ وما موقف دول التحالف من تواجد القوات العسكرية الإيرانية جنباً إلى جنب معها في ساحة الحرب في المياه العربية؟
أسئلة قد تفسر إجاباتها التناقضات السابقة، وتفك الاشتباكات في المشهد، وقد ترسم مصير المنطقة.