لعل من أبرز القضايا التي يجب أن نسلط الضوء عليها دون توقف؛ هي مسألة العنف المتزايد عبر العالم، فهذا السلوك المتوحش بدأ ولأسباب مختلفة ينتشر بين الناس بصورة طبيعية، ولعل ما عزز هذا المفهوم في وعي الإنسان هي قدرة الماكنات الإعلامية الكبرى في تحويل صناعة الموت والصور الدموية إلى حالة مألوفة بين كافة البشر.
يعرِّفون العنف على أنه "تعبير عن القوة الجسدية التي تصدر ضد النفس أو ضد أي شخص آخر بصورة متعمدة، أو إرغام الفرد على إتيان هذا الفعل نتيجة لشعوره بالألم بسبب ما تعرض له من أذى، وتشير استخدامات مختلفة للمصطلح إلى تدمير الأشياء والجمادات - مثل تدمير الممتلكات - ويستخدم العنف في جميع أنحاء العالم كأداة للتأثير على الآخرين، كما أنه يعتبر من الأمور التي تحظى باهتمام القانون والثقافة، حيث يسعى كلاهما إلى قمع ظاهرة العنف ومنع تفشيها، ومن الممكن أن يتخذ العنف صوراً كثيرة تبدو في أي مكان على وجه الأرض، بداية من مجرد الضرب بين شخصين والذي قد يسفر عن إيذاء بدني وانتهاءً بالحرب والإبادة الجماعية التي يموت فيها ملايين الأفراد، وجدير بالذكر أن العنف لا يقتصر على العنف البدني فحسب؛ بل هناك إيذاء نفسي وآخر جنسي".
إن استخدام العنف يتجلى في عدة تموضعات مختلفة؛ فأحياناً يكون عنفاً محدوداً داخل الأسرة، وأحياناً يتجاوز العنف حدود الأسرة فيخرج إلى المجتمع، ومن ثم إلى الدولة، وربما يتعدى إلى خارج حدود الدولة ليصل إلى مجموعة من الدول فتنشأ الحروب والويلات.
لا يمكن للعنف أن يكون حلاً لكل المشاكل البشرية، بل هو "الكي" الذي يعتبر آخر الحلول، ولهذا فإن كل من يستخدم العنف في حل مشاكله الأسرية أو المجتمعية أو السياسية أو الاقتصادية أو غيرها، لا يمكن له أن ينجح أو أن يصل إلى هدفه. هنالك اليوم ألف سبب للعنف، وفي المقابل هنالك ألف حل يمكن أن تستخدمه البشرية قبل الذهاب إلى هذه الوسيلة المكلفة جداً، لكننا نرفض أن نمارس الوسيلة التي تتناسب وطبيعة الإنسان، فنلجأ إلى العنف مختصرين حالة الحياة لتحويلها إلى موت أبدي!
يجب على السياسيين، كل السياسيين في كل العالم، سواء كانوا معارضين أو موالين أو جماعات أو منظمات أو دول أن يدفعوا باتجاه السلام ورفض كل أشكال العنف، ليس عبر المؤتمرات أو البيانات أو الخطابات؛ بل من خلال ممارسات عملية توقف العنف وتحاربه على الأرض، وعلى رأس هذه القائمة كل الدول الكبرى ومجلس الأمن.
من جهة أخرى يجب على المثقفين وعلماء الدين وغيرهم من الطبقات المهمة في المجتمعات البشرية من شجب العنف ومحاربته وتحييده في غالب الأوقات، بل يجب تجريم العنف وتحريمه، تمهيداً لبسط السلام في كل العالم، كما يجب على عامة المجتمعات أن توسع من مداركها في قبول خيارات أخرى غير العنف، وقطع الطريق على كل الجهات التي تتبنى العنف منهجاً حياتياً وسياسياً في كل الأوقات، سواء دعت الحاجة القهرية إليه أم لا.
أخيراً من الضروري أن نجنب الأطفال صراعتنا العنيفة أو زجهم في معارك الكبار أو استغلالهم في كل أشكال العنف ولو بأقل درجاته، بل يجب أن ندربهم على السلام والحب وبناء الحياة، حتى نزرع الثقة في أنفسهم، في عالم لا يعترف إلا بالشخصية القوية الواثقة من نفسها ومن وجودها ومن محيطها أيضاً.