تغيرت بشكل كبير المفاهيم والثوابت الدولية واحترام سيادة الدول وحقوق الإنسان والشعوب واستبيحت كرامتهما، وتم توظيف المعتقد والعرق كوسيلة بشعة لإشعال الحروب في المنطقة، وكل ذلك كان مخططاً ومبيتاً له، فانطلقت شرارته بعد احتلال بغداد، صرح العروبة والإسلام، وبعد الالتفاف بالمكر على المجتمع الدولي ومنظماته الهزيلة من قبل كبريات الدول تتزعمهم أمريكا؛ العدو الأول للحرية ولشعوب المنطقة، وأصبح الباب مفتوحاً على مصراعيه لتصفية حسابات وثارات مؤجلة لقرون ليتولى تنفيذها أحفاد فارس ويهود بابل والتتار وهولاكو وليجمان.
تجمعوا ودخلوا أفواجاً من كل أصقاع الأرض، يجمعهم هدف واحد هو الانتقام وطمس كل أثر ومعلم له صلة بتاريخ ذلك البلد العظيم ونهب خيراته وتمزيق مجتمعه، والذي ظل لقرون شامخاً ومتماسكاً رغم اتساع تنوعه العرقي والمذهبي.
إن ما يتعرض له العراق اليوم ما هو إلا استكمال لمسلسل طويل من الصراع الذي لم تنطفىء جذوته يوماً، حيث في كل جولة تتكسر جماجم الأعداء على صخوره الصماء ثم يعودوا للملمة شتاتهم ولعق جراحهم.
لكن ما يشهده العراق اليوم قد تجاوز كل تلك الغزوات بضراوته؛ فقد تجمع على أرضه أعتى الأشرار والفجار حقداً وثأراً مبيتاً أو طمعاً بثرواته وخيراته، وتسيد الموقف هنالك الطامع الإيراني، يسانده بكل وقاحة الكابوي الأمريكي والماكر الصهيوني.
فالهدم هنالك يتم بمعاول ثلاث؛ معول يتولى هدم اقتصاده بنهبه وإفراغه من ثرواته، ومعول يشرف على تمزيق نسيجه الاجتماعي وضرب أعراقه وطوائفه ببعض، ومعول يتولى هدم إرثه الضارب في عمق التاريخ بتشويه تاريخه وطمس ما تبقى من معالمه وآثاره.
ويستمر الانحدار وتتلاشى الآمال في إنقاذ ذلك البلد المنكوب من الهوة التي سقط فيها والنفق المظلم الذي حشر فيه، وقد دب اليأس في شعبه، بل حتى في شعوب المنطقة، ولا أمل لهم بالخلاص بعد أن أشاح العالم الإسلامي والعربي وجوهه عنه. الاستفهام الكبير الذي يبقى لغزاً محيراً للعراقيين بشكل خاص والعرب بشكل عام؛ أين الدور العربي والإسلامي؟ لماذا ترك العراق ليكون لقمة سائغة للأعداء. ما هي المسوغات التي سمحت لطهران بابتلاعه ومنعت أو حجمت الدور العربي والإسلامي؟
وما سر الصمت المريب حتى في إنكار التصريحات الاستفزازية، وهي أضعف الإيمان، لجعل بغداد عاصمة لإمبراطوريتهم الواعدة؟ وما الذي يرهب العرب من شجب واستنكار المذابح والمجازر اليومية التي ترتكب حصراً ضد المكون السني، وليس آخرها تدمير وحرق وسلب ونهب تكريت وذبح أهلها والتنكيل بهم، حقداً مركباً تاريخياً وعقائدياً، لأنها تمثل رمزاً لحقب أذاقت الأعداء والفرس الويلات، وهي مسقط رأس القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي والراحل صدام حسين الذي نُبش قبره ولم تحترم حتى حرمة وخصوصية الموتى بحجة طرد بضع مئات من تنظيم داعش.
أما آن الأوان لأن ينتفض العرب من سباتهم ويتصدوا لهذا الفكر والغزو المنحرف الممنهج، فهم أولى بالعراق البلد العربي المسلم من إيران وعملائها، حيث عملت إيران لتكرار نفس السيناريو في اليمن، وبعد أن جست النبض من بغداد قلب الأمة العربية الذي سيشارف على التوقف إن لم يسعف بصعق يعيد له نشاطه.
العراق اليوم بحاجة ماسة لوقفتكم يا قادة العصف والحزم لإنقاذه، فصوته وأنينه قد أسمع وأثر في الحجر والشجر، إلا من أصيب بالصمم. هبوا جميعاً لنجدته؛ فإن استقر العراق استقرت كل الأوطان.
لا نريد أن يحكم العراق من الخارج، ولا نريد أن يكون ظلاً أو تبعاً لأي جهة كانت؛ أمريكية ولا غربية ولا شرقية ولا فارسية ولا حتى تركية، نريده عراقاً حراً متماسكاً يحكم من قبل أهله بكل أطيافهم وأعراقهم، فقد طفح الكيل وتمادت إيران في غيها، وآن الأوان لأن تعود الأمور إلى نصابها وعاصفة الحزم لم تبلغ بعد أوجها وجهتها.