في مؤتمر صحافي عقد أمس الأول الأحد أعلن أحد البنوك عن توزيع أرباح على مساهميه تقدر بـ25 مليون دولار، وللعلم رأسمال هذا البنك يبلغ 1.2 مليار دولار وأحد أعضاء مجلس إدارته بحريني كان يرأس الصندوق السيادي البحريني «ممتلكات» سابقاً.
فإذا علمنا أن رأسمال شركة ممتلكات ما بين أصول وسيولة يبلغ 7 مليارات دولار، ومع ذلك عجز عن تحقيق دولار واحد ربحاً على مدى سبع سنوات منذ تأسيسه، بل الأدهى أنه الـ 7 مليارات دولار مديونة، فإننا نتحدث عن مشكلة كبيرة جداً إن لم تكن أزمة تحتاج إلى أن نقف ونراجع قراراتنا وسياساتنا الاقتصادية.
نفهم أنه لا يحقق أي «رأسمال» أرباحاً في بعض سنوات إدارته نتيجة أزمات عالمية لا يد له فيها، نفهم أنه لا يحقق أرباحاً في سنوات أخرى نتيجة التوسع والتطوير، نفهم أنه لا يحقق أرباحاً في سنوات التوجه لزيادة رأس المال، إنما تمر سبع سنوات وينتهي به المطاف أن يكون مقترضاً مديوناً لا دائناً فإن هناك مشكلة.
نقر بأننا في الإعلام نتحمل جزءاً من مسؤولية ما آلت إليه الأمور، فقد دافعنا إعلامياً في البداية عن قرار إبعاد السلطة التنفيذية وإبعاد تدخلات السلطة التشريعية عن هذا الصندوق السيادي حتى يتمكن من إداراته دون ضغوط سياسية ودون ابتزازات ودون تدخلات، دافعنا عن مبدأ إدارة الأصول بطرق وأساليب اقتصادية صرفة لا تراعى فيها الحسابات الخاصة والنفوذ الخاص والحسابات السياسية أو الاجتماعية حتى يتمكن من التحرك بمرونة تحمي قراراته، وهذا ما تفعله الصناديق السيادية، مادامت هناك آليات للرقابة المالية والإدارية تتمتع بالشفافية وتتمتع بدرجة عالية من مؤشرات الحوكمة فإن ذلك سيفي بمراقبتها شعبياً باعتبارها في النهاية مؤسسة تدير موارد عامة.
ولكن النتيجة جاءت مخيبة للآمال، لن ألقي كرة الاتهامات على أحد معين فهي قرارات «دولة» لا قرارات أفراد، قرارات قيادة وسلطات تنفيذية وتشريعية معاً بل وبتشجيع من وسائل الإعلام حتى توافقت كل هذه الإرادات سوياً على هذا الوضع لهذا الصندوق فكانت النتيجة «رأسمال» دون هدف دون خط ثابت دون رؤية واضحة تتجاذبه القرارات المتضاربة تارة هو حكومي وتارة هو لا، تارة هو في هذا الاتجاه وتارة عكسه وبالتالي خرج دون نتائج.
المشكلة الأولى أننا قررنا أن نبعده عن يد السلطة التنفيذية وانتهينا بمجلس إدارة غالبية أعضائه وزراء في السلطة التنفيذية فأعدنا القرار من جديد لها، ثم لا يقف تذبذبنا عند هذا الحد فهناك تشويش في الرؤية وفي الأهداف حول تحديد الوضعية الأفضل لشركات البنية التحتية «طيران الخليج وحلبة البحرين» وهما من الشركات غير الربحية وتحتاجان إلى دعم مستمر وبقاؤهما في أي صندوق استثماري يضعف من وضعه ويشكل عبئاً عليه، لابد من دراسة محايدة غير تلك التي قام بها مجلس التنمية الاقتصادية لمعرفة كم تدر علينا حلبة البحرين من دخل في الاقتصاد، لقد صرفنا 14 مليون دينار لإضاءة الحلبة ليلاً ولا نعرف مردودها إلى الآن، «تذكرت أننا بخلنا على النظام القضائي لتطويره وكان يحتاج فقط 6 ملايين زيادة» وتمتد المشكلة لتتضارب الآراء حول إدارة الأصول العقارية والحيرة في منح الأراضي القابلة للتطوير والاستثمار بين الاستخدامات العامة أو الاستخدامات وفق المنهج الربحي وتختفي الشفافية وتختفي الأفكار الإبداعية في استثمار وتطوير الكثير من الممتلكات العامة وأراضي الدولة، ثم ضياع بوصلة الاستثمار التي تتقاذفها الأهواء والخوف وعدم المجازفة حتى تحولنا إلى مجرد شركاء صغار ضمن مشاريع كبيرة لا نملك حق المبادرة في أي منها، في النهاية ستتحول المسؤولية إلى كرة للبينغ بونغ تتقاذفها مجالس الإدارة والإدارة التنفيذية المتعاقبة.
آلت الشركة إلى جهاز صرف آلي لتوزيع الرواتب نهاية كل شهر للموظفين التابعين لشركاتها وجهاز يأخذ من أرباح بعض شركاته لسداد ديون باقي شركاته حتى اضطر إلى الاقتراض، لم تستفد الدولة من رأس المال هذا إلا بقدر يسير محصور في رواتب موظفي شركاته فقط تلك هي الاستفادة الوحيدة، أما خزينة الدولة لم تستفد فلساً ولا حتى زاد رأسمال حتى نقول إن تلك الزيادة في النهاية هي لخزينة البحرين أو لزيادة أصولها، الاستفادة الوحيدة التي عادت على البحرين من 7 مليارات دولار رواتب موظفيها فقط.
ماذا علينا الآن أن نفعل؟ 7 مليارات دولار بحاجة إلى إعادة توجيه جديد رؤية جديدة تضع مؤشرات قياس واضحة للسنوات الخمس القادمة تحدد وجهتها والقطاعات التي تريد الاستثمار فيها «نفط، تعليم، صحة، سياحة، خدمات، صناعات.. إلخ» بحاجة لوضع استراتيجية خاصة بالاستثمارات الوطنية كجزء من سلة الاستثمارات المتنوعة «أين الخط السادس لألبا؟ أين مشروع تطوير جزر حوار؟ أين مشروع تطوير بلاج الجزائر؟ أين الأفكار الجديدة والابتكارات والمبادرات التي تخدم الاقتصاد الوطني مثلما تخدم الذراع الاستثماري للممتلكات؟ فالتنوع وإن كان مطلوباً إلا أن ذلك لا يجب أن يستثني الاستثمار الوطني من اعتباره، بحاجة كذلك إلى مزيد من الشفافية مزيد من الرقابة على ما يتخذه مجلس الإدارة من قرارات وما تقوم به الإدارة من إجراءات لتنفيذها، كي تبعدها عن حال الاستغلال الضيق وحالة الجمود التي وصلت إليها، 7 مليارات دولار.... بلا فائدة؟ 7 مليارات بحاجة إلى ثورة في القرار.