أمس نجح نواب البرلمان في تحقيق سابقة من نوعها يشكرون عليها، بل ترفع لهم القبعات بشأنها.
تواجدت في جلسة أمس والتي شهدت مناقشة تقرير ديوان الرقابة وتوصيات اللجنــــة البرلمانيـــة المشكلـــة بهـــذا الخصوص، في ظل تواجد رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية وعدد من الوزراء يتقدمهم وزير المالية، الذي قدم عرضاً مختصراً يبين فيه بالأرقام حجم التقدم في التعامل الحكومي مع التقرير بمقارنته بالتعامل مع التقرير الذي سبقه.
أشد بقوة على يد رئيس مجلس النواب الأخ الفاضل أحمد الملا على كلامه بشأن المسؤولية الملقاة على عاتق النواب بشأن التقرير ودورهم الرقابي، مع تأكيده أيضاً بأن الحكومة يقع على عاتقها أيضاً مسؤولية المحاسبة المباشرة والسريعة للمقصرين في أدائهم من مسؤولين بناء على ما أورده التقرير، وهذا كنا ننادي به كثيراً في السابق، إذ ترك المسؤولية وكأنها وحدها على النواب في ظل صد مباشر من بعض الوزراء والمسؤولين لأن تحرك الأمور بشأن التقرير، ستجعل مصيره كسابقيه على الرفوف دون أي إجراء.
وإلحاقاً بهذه النقطة التي أقول فيها بأن التقارير السابقة تاهت في غياهب التاريخ دون إجراءات مسوغه الرأي القانوني بشأن صحة الاستجواب بناء على التقارير السابقة في ظل تغيير الحكومة وتبديل الوزراء، بحيث يسقط حق استجواب الوزير عن الفترة السابقة إن لم تكن المخالفة المستمرة، ما يعني أننا سندور في دائرة مفرغة تماماً.
عموماً، كلمة مقرر اللجنة الأخ النائب محمد العمادي أصابت كبد الحقيقة بشأن تقرير ديوان الرقابة ومسؤولية النواب وكذلك الحكومة، والإيجابي أنه قدر باسم النواب دور ديوان الرقابة وجهده الحثيث المشكور لوضع اليد على الأخطاء وتقديمها بشكل صريح وواضح لرأس السلطات في البلد جلالة الملك حفظه الله والسلطتين التنفيذية والتشريعية.
الإنجاز الذي تحقق هو توقيع 33 نائباً طلباً لإحالة المخالفات الجنائية الواردة في تقرير الرقابة المالية عن 18 جهة حكومية إلى النيابة العامة لأول مرة.
الجميل في الموضوع أن هذه المسألة حصلت بتوافق مطلق للنواب الحاضرين، والعدد الناقص تمثل بنواب لم يحضروا للجلسة بسبب ارتباطات أخرى، ما يعني أننا أمس شهدنا نموذجاً صريحاً للكيفية التي تكون فيها كلمة النواب قوية جداً لو توحدوا كلهم دون استثناء على موقف رجل واحد.
شخصياً أرفع القبعة للنواب الذين حققوا هذا الإنجاز، ونعم اعتبره إنجازاً بمقارنته بما كان يحصل سابقاً وبسببه انتهى مصير تسعة تقارير سابقة إلى المجهول. أذكر كيف أن النواب في الفصل التشريعي السابق أضاعوا البوصلة تماماً، وبدلاً من اتخاذ نفس الموقف الذي شهدناه أمس، دخلوا في مماحكات وشد وجذب بشأن الجهة التي يجب أن تحيل للنيابة، واعتبروا العملية تقصيراً من ديوان الرقابة نفسه، متخلين عن حقهم بشكل صارخ وفاضح في المحاسبة والمراقبة والمساءلة التي تفضي حتى لطرح الثقة.
أمس حصلت خطوة يجب التأسيس عليها، حينما يتخلى مجلس النواب عن إلقاء اللائمة والمسؤولية على غيره، ويأخذ هو المبادرة، ويفعل أدواته الدستورية، ويصر إصراراً قوياً على محاربة الفساد والتجاوزات، ويوفي في هذا الجانب بتعهداته للناس الناخبين الذين صوتوا للنواب على شعاراتهم ومن ضمنها محاربة الفساد.
كل ما نأمله أن يكون ما حصل تأسيساً لعرف إيجابي في عمل النواب، وأن تشهد جميع الملفات المناقشة والمشاريع المطروحة خاصة تلك التي تمس هم المواطن مباشرة أن تشهد إجماعاً نيابياً وتوافقاً شاملاً لتمرر دون أية معوقات، ولتنتقل إلى الخطوة الإجرائية التالية، لا أن تموت في مهدها داخل المجلس.
النواب قاموا بدورهم بشأن تقرير ديوان الرقابة، والأمل بأن تقوم السلطة التنفيذية بدورها أيضاً بشأن المحاسبة الصارمة، وأن تلعب النيابة دورها المطلوب بشأن القضايا التي ستحال ليقول بعدها القضاء كلمته.
أمس شهدت البحرين ممارسة راقية تتعلق بارتقاء المجتمع وتصليح الأخطاء ومحاسبة المقصرين، ما يدفعنا للتمني بأن تكون أيامنا جميعاً حاضنة لممارسات إصلاحية حقيقية تترجم روح المشروع الإصلاحي لجلالة الملك بشكلها الصحيح على أرض الواقع.