للمرة الثانية يتمكن مجلس نواب 2015 من جمع أصوات أكثر من 30 نائباً على قرار واحد، ومن جديد نقول- وبغض النظر عن صحة القرار أو خطئه فتلك قصة أخرى- إلا أن تمكن أكثر من 30 نائباً من اتخاذ مواقف موحدة يعد إنجازاً بحد ذاته للثلاثة والثلاثين نائباً، نائباً نائباً، خاصة وهم قد أتوا من مشارب عدة لا تجمعهم قيادة واحدة.
ثانياً للمرة الثانية يقف أكثر من 30 نائباً لا ضد السلطة التنفيذية فحسب كما حدث في الجلسة الأخيرة بل ضد مرسوم ملكي كما حدث مع مرسوم الدين العام، مما يثبت مقدار ابتعاده عن هيمنة القرار الحكومي ... إلى الآن!!
نصيحة.. اثبتوا على هذا الموقف لفصلين تشريعين على الأقل وستتمكنون من إعادة الثقة بالانتخابات وإعادة الثقة بجدواها وإعادة الثقة بالمجلس النيابي وجدوى المشروع الإصلاحي ككل.
إن نجحتم في عملكم كحزمة واحدة وإن نجحتم في الانتباه لمحبطات ومثبطات وأحصنة طروادة التي ممكن أن تتغلغل بينكم لثنيكم ولتفكيكم فسيحقق كل فرد فيكم إنجازاً سينسب له على أنه حافظ على تماسك المجلس ككتلة موازنة للكتلة التنفيذية، أي للحكومة، بدلاً أن يبحث كل منكم عن إنجازات فردية واستعراض عنتري ينكشف ويزول كسحابة الصيف.
المجتمع البحريني بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى ليرى أحد مكاسب المشروع الإصلاحي متمثلة في توازن السلطات وذلك لن يتم إلا إذا كانت السلطة التشريعية قوية باستقلالها استقلالاً معنوياً لا نصياً فحسب عن السلطة التنفيذية، بشكل واضح وبين وثابت ومستقر لا متذبذب.
الاستقلال المعنوي عن الاعتبارات الاجتماعية هو اكبر عقبة وقفت أمام تشكل قوى سياسية منذ عام 2000 إلى اليوم وعلى مدى ثلاثة فصول حالت دون تفعيل العديد من الأدوات الرقابية.
فالنص متاح والصلاحيات متاحة والاختصاصات موجودة، ولكن يحول بينها وبين تفعيلها ارتباط معنوي وحاجز نفسي وتجارب فاشلة سابقة حاولت كسر الحاجز لكنها سقطت في الامتحانات الصعبة ورأينا كيف كانت سهلة عملية احتوائها.
ما يحتاجه المجتمع البحريني وما تحتاجه التجربة الديمقراطية البحرينية هي كسر هذا الحاجز النفسي والفصل بين موقف «الاعتراض» على إدارة الدولة عن موقف الولاء والانتماء للوطن وللدستور وللشرعية.
ما تحتاجه هو الفصل المعنوي عند أعضاء السلطة التشريعية في التعامل مع العديد من أعضاء السلطة التنفيذية كوزراء أو كشيوخ، أي بين انتماءاتهم الأسرية وبين مسؤولياتهم السياسية.
سينجح المجلس النيابي الحالي إن استطاع تحويل حرج الموقف الذي قد يتعرض له وزير من الأسرة الكريمة من جراء استخدام الأدوات الرقابية إلى السلطة التنفيذية لا أن تتحمله السلطة التشريعية فيحول بينها وبين تفعيل الأدوات الرقابية.
من يقبل بالعمل السياسي ويقبل بعضوية السلطة التنفيذية عليه أن يتحمل كل أعباء ذلك التكليف بما فيها تفعيل الأدوات الدستورية الرقابية عليه، ويترك مشيخته في البيت أو في مجلسه الخاص. ومن يصل إلى السلطة التشريعية عليه أن يكسر الحاجز الاجتماعي ويستقل معنوياً ويمارس مسؤوليته كما يميلها عليه ضميره.
في المرتين اللتين توحدت فيهما آراء ومواقف أكثر من ثلاثين نائباً في هذا المجلس كانت مقابل وزير من الأسرة نكن له ولأسرته كل الاحترام ولكن المجلس النيابي مارس مسؤوليته دون الأخذ في هذا الاعتبار الاجتماعي، وهذا كسر للحاجز تحتاجه التجربة الديمقراطية إنما يحتاج للثبات وللتعزيز والتكريس، ونعتمد على نواب 2015 كثيراً ونعول عليهم كثيراً.
فالفراغ في مقاعد «المعارضة» بعد الفشل والموت السريري للذين احتكروه قسراً لعقدين من الزمن سيظل فارغاً إلى أن يقتنع الناس بجهة أو كتلة أو قوى أو جمعية أو مجلس نيابي بأنها تستحقه. هذا الفراغ لم يعد لأحد أن يعينه قسراً علينا، سيكون تنصيبه تلقائياً وعفوياً ويأتي بشكل سلس لمن ينجح في الثبات على موقفه والاستقلال معنوياً عن الاعتبارات الاجتماعية وتقديسها سواء كانت تلك الاعتبارات لأسرة أو اعتبارات لمرجع ديني. ما عادت هذه الاعتبارات تصلح لتلتف حولها أفئدة الناس لتنصبها زعيمة شعبية يواجهون بها تغول السلطات وانفرادها.
لذا فالفرصة اليوم متاحة للتنافس على كرسي المعارضة الشاغر لمجلس 2015 - إن نجح في الحفاظ على تماسكه ونجح في استقلاله المعنوي وكسر الحاجز النفسي– ففي هذه الجملة الاعتراضية يكمن السر.
ملاحظة:
سيبقى كرسي المعارضة شاغراً حتى في حال فشل هذا المجلس .. ففشل المحاولات الجديدة لا يعني إعادة استنساخ الفشل القديم.