قرار مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، والذي صدر الثلاثاء الماضي، لم يعجب إيران ورأت «ضرورة اعتماد نظرة واقعية لأن الخيار العسكري لن يكون حلاً بل إن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الأزمة اليمنية»، كما قالت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم في مؤتمرها الصحافي الأسبوعي، وهو ما يعد طرفة سياسية من الدرجة الأولى، ذلك أنه من الطبيعي، بل من الطبيعي جداً، أن ترفض إيران كل قرار لا يتوافق مع منطقها ويحد من تحركها في اليمن الذي خربته ولم تعد قادرة إلا على توجيه السباب لمجلس الأمن والأمم المتحدة والدول التي رأت أن من واجبها أن تعين على إعادة الشرعية لليمن، ووصف ما يجري هناك بأنه عدوان.
لم يهم إيران أن القرار يحظر تسليح كل الجماعات التي يأتي منها الخطر على اليمن، ولم يهمها أنه يصب في صالح السكان المدنيين ويؤدي إلى حمايتهم، ولم يهمها أنه سيلزم الأطراف اليمنية كافة بالاستجابة لدعوات الحوار ويسهل إيصـــال المساعــــدات الإنسانيـــة إلـــــى المحتاجين لها ويمنع تهديد واستفزاز الدول المجاورة، لم يهمها كل هذا لأنه لا يعنيها ولا يصب في مصلحتها، خصوصاً عبارة «يمنع تهديد واستفزاز الدول المجاورة»، ما يهمها فقط هو أن القرار يحظر تسليح الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع ويمنع هذين «الزعيمين» من السفر ويجمد أموالهما لأن في هذا إعاقة لكل خططها وبرامجها، ولأنه يحرجها أمام الحوثيين الذين أعطتهم الشمس في يد والقمر في يد وقالت لهم إنها وكل ما تملك تحت أمرهم.
هذا هو المهم عند إيران، لهذا لا تستطيع أن توافق على القرار، خصوصاً أنه يعني في وجهه الآخر نجاحاً للدبلوماسية السعودية ودبلوماسيــــة دول مجلــــس التعــــاون، وبدل أن تؤيده وتدعمه لأنه يمكن أن يقرب اليمنيين من الحل أعادت تشغيل الإسطوانة القديمة بقولها إن الحوار هو السبيل الوحيد لحل المشكلة اليمنية. الحوار الذي كانت ترفضه عندما سيطر الحوثيون على صنعاء وأهانوا الرئيس الشرعي بوضعه تحت الإقامة الجبرية وزحفـــوا على العديد من المحافظـــات اليمنية والمدن واحتلوها حتى وصلوا إلى عدن التي أعلنها الرئيس الشرعي عاصمة مؤقتـة لبلاده، وقتلوا من اليمنيين بغيـــر حساب ومنعوهم حتى من التعبير عن رفضهم لما يحدث بالتظاهر، حيث كانوا يطلقـــون النـــار على كل مظاهرة تخـــرج رافضة لما يقوم به الحوثيون وما تفعله إيران في هذا البلد العربي الأصيل.
رفض إيران للقرار أو تحفظها عليه ونقدها لــه ولمن سعى إليه ولمن أصدره يشبـــه رفض الجاني في أي قضية لأي حكم يصدره القاضي ضده، فهو ورغم تيقنه من أنه مجرم ويستحق حكماً أقسى من الذي صدر ضده يعتبره ظالماً ومبالغاً فيه، وأن الصحيح هو أن يحكم القضاة له بالبراءة حيث يكفي أنه يعتقد أن ما قام به «عادي»!
إيران أجرمت في حق اليمن واستخدمت اليمنيين كدروع بشرية ليتلقوا الضربة بدلاً عنها ويحمونها، ولهذا فإنها تعتبر أي قرار يصدر من أي مؤسسة عالمية قراراً ضدها، لذا فإنها لن تقبل به حتى لو كان نسبة تضررها منه لا تزيد عن واحد في المائة.
انتقاد إيران للقرار واعتباره انتصاراً لـ «العـــدوان» على اليمن يؤكد أنهـــا وراء كل هذا الذي حدث ويحدث في هذا البلد العربي وأنها أم الأذى، وإلا ما علاقتها بما يجري هناك؟ ولماذا هذا الحماس المنقطع النظير والدفاع المستميت ليس عن الحوثيين فقط ولكن عن الرئيس المخلوع أيضاً؟
اليوم إيران في ورطة كبيرة، وحتى الساعة لا يزال العقل الفارسي دون القدرة على توفير مخرج لها منها، لذا فإن المتوقع أن تستمر واقفة على أعصابها حتى ينجلي عبار المعركة وتتأكد من فشلها.