انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في الآونة الأخيرة، لدرجة أن معظم الناس أصبحت مدمنة لهذه البرامج، فالفرد منا يفتح عينه ليتفقد رسائل الواتساب والقروبات، وما أن ينتهي من قراءة ما ورد في هذا البرنامج حتى يفتح الإنستغرام وتويتر لمطالعة المزيد من الصور والأخبار، ثم يفتح السناب شات ليشاهد مسلسلات أصدقائه وما قاموا به بتفاصيل دقيقة.
هكذا تمر ساعات الفرد وهو يتنقل بين برنامج إلى آخر، ويعيش الفرد منا إذا نسي هاتفه الذكي أو انقطعت خدمة الإنترنت وضعاً تعيساً ومزرياً، وأحياناً كثيرة أفكر كيف كنا نقضي أوقاتنا قبل أن تخترع هذه البرامج؟
مثل أي اختراع جديد نتساءل؛ هل تعتبر برامج التواصل الاجتماعي مفيدة أم مضرة؟ فنجد الإجابة التقليدية «هي سلاح ذو حدين»، وبالفعل هو سلاح ذو حدين، فعندما تلهينا هذه البرامج عن التواصل الفعلي في محيط العائلة فهي مضرة بلا شك، ونجد حالياً زوجاً يدعو زوجته على وجبة عشاء خارج المنزل، فتجد كل شخص منهما ممسكاً بهاتفه الذكي ويتابع برامج التواصل الاجتماعي، إلى أن يأتي مقدم الأطعمة ليلفت نظرهما إلى أن الأكل وصل، فيضعان هاتفيهما الذكيين جانباً وعيونهما لاتزال تتابعهما وهما يلتهمان أكلهما على عجالة.
وعلى صعيد متصل تجد الأم تشكو من وجودها الدائم في البيت وملازمتها لأبنائها، وهي في حقيقة الأمر مغيبة عقلياً عنهم، حيث إنها مدمجة بمتابعة ما يدور في وسائل التواصل، وبعد ذلك تتلقف سماعة الهاتف لتروي لصديقاتها قصص الناس «شفتي هدى في السناب شات مسافرة وما خبرت.. على بالها نحسدها!»، «شفتي منى ولدها طالع الأول على المدرسة حاطة صورته على الإنستغرام!»، «شفتي فاطمة زوجها شاري لها هدية وحاطة صورتها على تويتر»، وغيرها من القصص التي تبدأ ولا تنتهي، وبالفعل تكون «المتابعة» واردة من مفردة «تبعة»، والتي تعني تعقب الناس لمعرفة أخبارهم خطوة بخطوة.
وهناك نفر يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لخلق المشاكل وافتعال الأزمات والفبركات على جميع الأصعدة، فلو دخل في أي مؤسسة حكومية أو خاصة صور رقم معاملته ووضعه على أحد شبكات التواصل الاجتماعي معلقاً بسخرية «المؤسسة الفلانية لا تلتزم بمعايير تقديم الخدمة»، وغيرها من التعليقات التي يكون القليل منها واقعياً والمعظم غير دقيق، بل أصبح الفرد يعتبر جهاز هاتفه الذكي والبرامج التي تحتويه سلاحاً يطلق رصاصه في وجه أي جهة حكومية أو خاصة لا تتماشى مع تطلعاته.
ولا أجد أبداً ضرراً في ذلك إذا كان يقصد من وراء فعلته الإصلاح وتقديم النصح والمقترحات لتلك المؤسسات لتقديم خدمة أفضل وليس لمجرد التشهير والانتقاد السلبي.
معظمنا وصله الفيديو الذي على إثره تم اقتلاع وزير من منصبه في إحدى الدول الشقيقة، والذي كان يوضح أن الوزير بالغ في رد فعله على المواطن الذي كان يستفسر حول إحدى الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين، وكان رد فعل القيادة الحكيمة في هذه الدولة الخليجية الشقيقة سريعاً بإعفاء هذا الوزير من منصبه وتوفير الخدمة الطبية لطالبها حالاً.
فهل تعتقدون أن تشهد مملكتنا موقفاً مشابهاً لا سيما أن بعض المسؤولين «لسانهم يقطر عسلاً» عندما يتعاطون مع المواطنين؟ أم أن الأبواب الحديدية الموصدة بإحكام ستحول دون وصول المواطن للمسؤول وبالتالي لن يكون حوار مباشر بين مسؤول ومواطن أصلاً لنقيم مستوى الحديث!
أعتقد بأن مسؤولينا في المملكة مدربون جيداً على الفر والكر من أسئلة ومطالب المواطنين، فعلى سبيل المثال يحتاط المسؤول في أي زيارة ميدانية بحراس البوابة، وهم قلة من المسؤولين المساندين له في العمل والتوجهات، وما أن يصل المواطن إلى المسؤول ويبدأ بإثارة موضوعه إلا ويومئ المسؤول بابتسامة صفراء إلى مدير مكتبه «شوف هالمواطن شنو مشكلته وحلها»، وهنا يطير المواطن من الفرح معتقداً بأن هذا وعد رسمي من المسؤول؛ لكن الحقيقة هي أنه يقصد «أبعد هذا المواطن على الفور عني وحول طلبه للجهة المعنية للنظر في طلبه على حسب الإجراءات المعمول بها»، لا أحد ضد تطبيق الإجراءات مطلقاً؛ لكن هناك حالات يجب أن ينظر لها بعين من الرأفة، فعندما يتعلق الموضوع بالصحة أو الإسكان أو الكهرباء أو الخدمات الضرورية يجب أن يكون هناك تصرف سريع وتدخل إنساني عاجل، فالمواطن له حق والمسؤول وظيفته الأولى تلبيه احتياجات المواطنين.
فليقتد المسؤولون بسيدي صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء الذي ينظر في طلب المواطنين والمقيمين على أرض البحرين شخصياً، ويحرك فريقه النشط في الديوان للتواصل اليومي مع مشاكل وحاجات الناس، حتى بات المواطنون يوجهون رسائلهم إليه مباشرة لإيمانهم بأن «ما للصعاب إلا خليفة».
فلو لعب كل مسؤول دوره الأساسي من وراء تعيينه ووضع في باله دائماً مصلحة المواطن أولاً فلن نشهد فيديوهات تساهم في إزاحة بعض المسؤولين من مقاعدهم، ولينتبه المسؤولون فالمواطنون باتو أكثر وعياً في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومن المؤكد من أن نشهد تسجيلات لبعض المسؤولين الذين يتفننون في إذلال المواطنين وتعطيل أمورهم بحجة الإجراءات والأنظمة.