الخطأ نفسه الذي ارتكبه الحوثيون في اليمن ترتكبه «المعارضة» هنا في البحرين؛ ثقـــة زائدة في النفس، اعتماد على قوى أجنبية، عناد مبالغ فيه، عدم القدرة على قراءة المعطيات، الانسياق وراء الوهم، الاعتقاد بأن كل الشعب معها، رفض الحوار لحظة تشعر بأنها تمتلك ورقة رابحة. ومثلما أن الحوثيين لجؤوا عبر القوى التي وعدتهم خيراً إلى التباكي ومحاولة استدرار العواطف؛ اختارت «المعارضة» هنا الأسلوب نفسه في محاولة لكسب الرأي العام العالمي.
لكـــن ما لم تنتبه له «المعارضة» هـــو أن العالم لم يتأثر ببكائيات الحوثيين، فهذا أسلوب قديم يعتمده عادة الفريق الذي يشعر بالهزيمة، لهذا فإن لجوئها إلى نفس هذا الأسلوب -كالذي هو حاصل في هذه الفترة- لن يكسبها شيئاً بل على العكس يمكن أن يوصل عنها رسالة سالبة.
المتابع للأخبار والبرامج التي تبثها فضائيات العالم والميادين والمنار واللؤلوة وغيرها من الفضائيات الداعمة لـ«المعارضة» يلاحظ أنها تركز على الجانب العاطفي بشكل مبالغ فيه، وتصور كل ممارسة قانونية تقوم بها الأجهزة الحكومية تصويراً بعيداً عن الواقع، فهذا طفل معتقل ينزف منذ الساعة الأولى التي تم فيها اعتقاله وأن النزيف مستمر حتى بعد مرور عشرين يوماً، وذاك شاب معلق في السجن من رجليه ويحيط به فريق من المعذبين يضربونه على مدار الساعة، وهنا عائلة لا تذوق طعم النوم، وهناك أم تبكي وأخت تولول، وغير هذه من صور تعتقد تلك الفضائيات أنها يمكن أن تشكل عامل ضغط على الحكومة وتكسب من خلالها تعاطف العالم.
كل هذا لا قيمة له ولا يفيد، تماماً مثلما أنه لا تفيد التغريدات والتصريحات التي تصدر عن «القياديين» الذين يبدو واضحاً أنه لم يعد لديهم ما يقولونه وما يقنعون به أهالي الذين ورطوهم وأدخلوهم في مواجهة غير متكافئة مع الدولة، فما قيمة قول أحدهم أن «الحكومة ترتكب خطأ استراتيجياً إن لم تطلق سراح نبيل رجب»؟ وما قيمة البيان الذي أصدرته إحدى الجمعيات تعبيراً عن غضبها على بريطانيا التي تمارس حقها في التحقيق مع من تعتقد أنه تجاوز قوانيها وأنظمتها؟
كل هذه الأساليب التي تمارسها «المعارضة» الآن لا قيمة لها ولا تفيدها، ما يفيدها ويفيد المواطنين الذين جنت عليهم بتهورها هو أن تعيد قراءتها للمعطيات وتنظر إلى مختلف التطورات المحلية والإقليمية بواقعية وتتجاوز مرحلة المراهقة الفكرية التي تعاني منها وتتكامل مع الحكومة التي يرى العالم كله كيف أنها تبذل قصارى جهدها للارتقاء بالوطن وبالمواطن.
كمثال عملي على إمكانية حل كل المشكلات عبر التعاون مع الحكومة لا عبر محاربتها هو ما تمخض عن الزيارة التي قام بها أخيراً وفد يمثل قريتي الجنبية والقرية بالمحافظة الشمالية إلى رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، حيث وجه سموه المعنيين بالحكومة إلى تدارس احتياجات أهالي هاتين القريتين وإعداد تقارير شاملة بشأنهما، وهو ما يعني أن الحكومة ستضع خطة عاجلة تلبي من خلالها كل احتياجاتهما في المجالات الإسكانية والخدمية والصحية والتعليمية وغيرها، وستضع لها الميزانية المطلوبة وستعتمدها ضمن خطط الحكومة الرامية إلى تطوير مختلف القرى والمدن.
زيارة وفد القريتين إلى سمو رئيس الوزراء وتوصيل مطالب الأهالي واحتياجات القريتين إلى سموه هو الأسلوب الذي يؤدي إلى التكامل المنشود مع الحكومة ويسهل تحقيق الأهداف. هذا الأسلوب باختصار هو أسلوب الذين يعرفون «السنع» ويدركون أهمية تحسين الخط لتتمكن الدولة من قراءته جيداً وهو الأسلوب الخليجي الذي ينتج مفيداً.
هو مثال يوضح كيف أن «المعارضة» أوصلت الناس إلى طريق مسدود، وكيف أن لتحقيق المطالب أبواباً لا تفهمها هذه «المعارضة»