لشدة حرصي على «جنين» المناكفة بين النواب والحكومة ولم يبلغ من العمر سوى بضعة أشهر هي عمر الفصل الأول، ولم تختبر قوته إلا للتو ولبضع مرات فقط. وأبرز محطات تعاطي النواب المناكف للحكومة في مناقشة «برنامج الحكومة» و«مرسوم الدين العام» و«جلسة استعراض تقرير الرقابة المالية»، كان بودي التغاضي عن بعض تجاوزات النواب لكن الأمر مرتبط بأعراف ديمقراطية ممكن أن تكرس لوضع خاطئ في حال السكوت عنها وتجاهلها.
«فالمناكفة» إن وجدت عند أعضاء السلطة الرقابية حالة صحية تبقي أعضاء الحكومة في حالة يقظة دائمة لا يخلدون فيها للاسترخاء والكسل واستسهال التقصير والإهمال كما هو الحال دائماً حين كان أعضاء الحكومة يضعون في بطونهم صندوقاً من البطيخ لا بطيخة واحدة لأن النواب كانوا على انسجام تام معهم بشكل نامت فيه الأدوات الرقابية ونامت معه أدوات المحاسبة.
أما حالة المناكفة فتجعل من أداء السلطة التنفيذية يتحسن ويحرص على عدم الوقوع في الخطأ لعدم إعطاء فرصة لمن يتربص ويتصيد الغفلة والتقصير والإهمال، وفي النهاية هذا هو المطلوب من وجود سلطة رقابية شعبية منتخبة أصلاً.
هذه الحالة للتو بدأت تنشط في مجلس 2015 و نريد أن نشجعها نبقيها بل ونحرض على استمراريتها حتى يكون لهذا المجلس دور وثقل وتحسب الحكومة له حساباً.
غير أن هناك خطوطاً فاصلة لا بد من مراعاتها بين الحين والآخر حتى لا يتحول الزائد كالناقص، فهذه الخطوط الفاصلة تعني «التعدي» على الاختصاصات وتعطيل السلطات عن أداء مهامها، وهي مرفوضة وممنوعة ومقيدة بالدستور بشكل تبادلي تمنع تدخل أي من أعضاء السلطات في عمل أعضاء السلطات الأخرى.
فدخول النائب لمؤسسة حكومية للاستقصاء عن شكوى له ضوابطه، فإن كانت السلطة القضائية مقيدة بضوابط حين تتقصى الحقائق في الدعاوى المرفوعة لها، وإن كانت السلطات الأمنية أيضاً مقيدة بضوابط قانونية حين تتصدى لاستقصاء الحقائق، فما بالك والسلطة التشريعية حين تريد أن تتقصى في واقعة جنائية؟
لا المؤسسات الحكومية ولا العاملون فيها وكالة من غير بواب حتى يعتقد النائب أن اختصاصاته مفتوحة دون ضوابط، وهذه مشكلة برزت أيام وجود كتلة الوفاق في المجلس النيابي والدكتورة ندى حفاظ في وزارة الصحة، حيث تعدى النائب السابق المزعل حدود اختصاصاته ودخل مستشفى السلمانية بغرض تقصي الحقائق بنفسه وبدأ يستجوب الموظفين والعاملين والمراجعين، وقتها تصدت الحكومة لهذا التعدي على اختصاصاتها وعدم احترام الخطوط الفاصلة بين السلطة والمحددة دستورياً، ووقفنا في صفها، واليوم يتكرر المثال بالضبط، فيحاول أحد النواب الأفاضل دخول إحدى المدارس الحكومية للتحقق بنفسه من واقعة ضرب أحد التلاميذ، فتمنعه الوزارة وهي محقة في منعه.
ليس للنائب أن يفصل في الشكاوى الجنائية أو حتى في الأخطاء الإدارية، إنما له أن يستخدم أياً من أدواته الرقابية مع الوزير (سؤال أو لجنة تحقيق) ليسأله عن الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لمعالجة هذه الواقعة، فإن رأى في الإجراءات تقصيراً له أن يحاسب الوزير بما هو متاح له من أدوات بما فيها طرح الثقة.
إن في الفصل بين السلطات حماية حتى للسلطة الرقابية تمنع الوزير من التدخل في لجان تحقيق المجلس النيابي وتمنع تدخل الوزير في جلسات اللجان، هذا التوازن هو الذي يبقي على العلاقة بين السلطات نشطة وحيوية لكنها علاقة عادلة تترك مساحة لكل منها أن تعمل بحرية وأريحية.
لذا فإننا مع رغبتنا في الإبقاء على حالة المناكفة والرقابة المشددة على أداء السلطة التنفيذية حتى تبقيها يقظة وتحسن من أدائها، إلا أننا حريصون على أن لا تتعدى تلك المناكفة خطوط التماس بين السلطات بعضها البعض، فالحق أحق أن يتبع.