الكولمبيون يرمون سنوياً نحو خمسة ملايين وثلاثمائة ألف إطار مستعمل من إطارات السيارات، أي ما يعادل مائة ألف طن من المطاط، وبسبب خشيتهم من تضرر البيئة سعوا إلى الاستفادة من تلك الإطارات بما يؤدي إلى حمايتها وانتفاع البشر. فقد نشرت الصحف أخيراً خبراً عن بناء منازل فوق مرتفعات العاصمة الكولومبية، بوجوتا، من إطارات مستعملة تتمتع بقدرة كبيرة على العزل الحراري ومقاومة الزلازل.
جاء في الخبر أن المرأة المشرفة على هذا العمل قالت إنها تتلقى الإطارات كهدايا، لأن التخلص منها مشكلة هائلة وتحللها يستغرق آلاف السنين وأنها تستخدمها في البناء كبديل عن الطوب، حيث تقوم بتحويل الإطارات إلى كتل متراصة بزنة تتراوح بين 200 و300 كيلوجرام ويتم وضع التراب فيها، كما يتم وضع قضبان من الحديد بين تلك الإطارات، ولأن المطاط يمتاز بالمرونة لذا يتم الاستفادة منه لمواجهة الزلازل التي تشهدها تلك المنطقة بكثرة، تضيف المرأة المبدعة أن سقوف تلك البيوت تغطى أيضاً بالإطارات بما يشبه القرميد.
فكرة جديدة ومبدعة لتوظيف إطارات السيارات المستعملة، لكنها ليست الوحيدة في العالم، فهناك الكثيرون في دول عديدة سعوا إلى توظيف الإطارات المستعملة توظيفاً موجباً بالاستفادة منها في عمل أشياء كثيرة كالمجسمات وألعاب الأطفال في الحدائق العامة والرياض والميادين والدوارات.
هنا معلومة مهمة لا تخفى على «المعارضة» ولكن ينبغي أن تستفيد منها، حيث حرق الإطارات يتسبب في الكثير من الأمراض ويلوث البيئة، ويلوث سمعتها أيضاً، فـ«المعارضة» التي تهتم بإرضاء مراهقتها الفكرية وتفضلها على صحة الناس بمن فيهم عناصرها يثير سلوكها ألف سؤال وسؤال، ولا يتردد الكثيرون عن القول إنها لا تستحق الاحترام.
في كولومبيا يستفيدون من إطارات السيارات المستعملة في بناء البيوت وتجميلها ولتتمكن من امتصاص الهزات الأرضية، وفي دول أخرى يستفيدون من الإطارات في تجميل الحدائق والشوارع والدوارات وفي أمور أخرى كثيرة كلها تعود بالنفع على المجتمع. أما هنا فالخلل الذي يشوب عقل «المعارضة» يدفعها إلى توظيف الإطارات المستعملة في أذى الناس والمجتمع، حيث يختطف «أبطال الميادين» بها الشوارع ويتسببون في تعطيل الحياة وفي نشر الأمراض الخطيرة، لا لشيء إلا ليقولوا إن حراكهم مستمر وإنهم لن يركعوا.
الأكيد أن بين المعارضة من يرفضون هذا التوظيف السالب لإطارات السيارات، لكن الأكيد أيضاً هو أنهم دون القدرة على تغيير عقلية «المعارضة» وإقناع من صار يستهوي هذا العمل القميء بضرورة أن يتوقف عنه.
لو سألت الجمعيات السياسية مثل الوفاق ووعد والتقدمي والقومي والإخاء الوطني عن رأيهم في هذه الممارسات الخاطئة لقالوا لك على الفور ومن دون تردد إنهم يرفضونها، لكنهم مع هذا لا يفعلون شيئاً لمنعها، وهو ما يعني أنه لم تعد الأمور في يدهم وإنما صارت في يد أولئك الذين لا يؤمنون إلا بالعنف ولا تستوعب عقولهم العمل السياسي، ويعتقدون أنهم بمثل هذه الممارسات سيصلون إلى ما يأملون الوصول إليه.
ولأن الواقع يؤكد أن الأمل في الجمعيات السياسية فيما يخص هذه السلوكيات مفقود لأنها لا تستطيع منعها، بل على العكس تجامل من يقوم بها وتشجعه بطريقة أو بأخرى، لذا فإن الأمل معقود على المهندسين والمبدعين من أبناء هذا الوطن كي يفكروا في طرق للاستفادة من الإطارات المستعملة وتوظيفها بما يؤدي إلى استفادة الجميع منها.
إن فعلاً من هذا القبيل من شأنه أن يشعر أولئك الذين لا يزالون دون القدرة على استيعاب فكرة أن حرق الإطارات لا يمكن أن يكسبهم مفيداً بأنهم لا قيمة لهم وأن ما يقومون به مرفوض من الجميع ويضحك عليهم العالم، أوليس مثيراً للضحك هذا الذي يقومون به ويعتبرونه نضالاً؟