كثير منكم مرت عليه الجملة التالية «من يعمل يخطئ بالضرورة، ومن لا يعمل لا يخطئ، لأنه أصلاً لا يعمل».
وعليه نقول، إنه لا يوجد وضع، سواء في دولة، أو مؤسسة، أو بيت أو حتى أصغر منظومة يكون منزهاً عن الخطأ، فالوقوع في الأخطاء سمة بشرية متأصلة منذ بدء الخليقة، وما وصلنا إلى ما نحن عليه في العالم من تطور وعلوم وأساليب متقدمة إلا نتيجة خبرات متراكمة جاءت بعد حل للمشكلات وتصحيح للأخطاء.
ليس عيباً أن نخطئ، لكن العيب الأكبر أن نواصل على الخطأ ونصر عليه، ونعتبره هو الصحيح وما دونه خاطئ، هنا تتدخل النفس البشرية حينما تنغمس في المكابرة وعدم الاعتراف بالإخفاق والفشل، لتقودك إلى مزيد من الأخطاء، أو الانغماس أكثر في الخطأ الذي تقوم به.
حصول الأخطاء في مواقع هامة في الدولة وارد، لكن خطورتها كبيرة جداً، لأن النتيجة قد يتكبدها البلد وأهله، وكذلك القطاع الذي قد يضر بالأخطاء فلا تكون له إنتاجية، وحتى إنجازاته تتبخر ولا يتذكرها الناس وكأنها لم تحصل على أرض الواقع.
عملية تصحيح الأخطاء فن بحد ذاته، وفي هذا الفن كتبت عشرات المقالات ونشرت عشرات الدراسات في علم الإدارة، والتي تبحث الطرق المثلى لتصحيح الأخطاء، بل طورت طرحها وفق نظرية تحويل الأخطاء إلى إنجازات ومكاسب.
المشكلة التي نعانيها هي عندما تتكشف لدينا أخطاء يفترض علاجها، لكننا بدلاً من تشخيص الخطأ بعناية، وتحديد المسؤولين عنه، وحساب حجم الأضرار الناتجة عنه، سواء مادية أو معنوية، نتعامل مع هذه الأخطاء (هذا إن تعاملنا أصلاً) بأخطاء أخرى، إما تقود لتعزيز الخطأ أو إبداله بخطأ أكبر منه جسامة، أو تجعلنا نتوه بعيداً عن عملية التصحيح وننغمس في الخطأ.
كل شخص منكم لديه تجارب حية يعيشها ربما يومياً في مكان عمله، يسهل عليه معرفة وتحديد الأخطاء، وقد يستغرب من تركها تستمر وكأن القائمين على المكان لا يعلمون عنها رغم وضوحها للعيان، ويكون الاستغراب أكثر حينما يتخذ إجراء بشأنها هو بنفسه قائم على آلية خاطئة، قد يكون مخالفاً للأنظمة والقوانين، وقد يوضح لنا صورة أخطر مفادها بأن من تقع عليه مسؤولية تصحيح الخطأ هو كان في الأصل المتسبب فيه، وعدم اهتمامه وقيامه بالإجراءات اللازمة تركت الخطأ ليكبر حتى يصبح عادة ممارستها أمر طبيعي لدى الموظفين أو الناس عامة.
الذكاء الإداري مطلوب في كل شيء، حينما تتعامل مع الخطأ لابد أن يكون حرصك أن تنهي أي أثر له، وأن تبدله بممارسة صحيحة مثالية، لا أن تتخذ إجراء سريعاً غير مدروس هو خطأ بحد ذاته.
لنبسط الفكرة بشكل أكبر، مثال على ذلك إن كنت تسوق سيارتك بسرعة كبيرة متجاوزاً سرعة الشارع، أنت ترتكب خطأ هنا، ولا سمح الله انفجرت إحدى الإطارات، الطبيعة البشرية تدفعنا للضغط على المكابح بقوة، وهنا المعادلة مبنية على وجود خطأ بشري أول (السرعة الجنونية)، ترتب عليها خطأ مادي خارج عن الإرادة (انفجار الإطار)، والخطأ الأكبر يكون بمحاولة تصحيح الخطأ بآخر قد يتسبب بخسارة أكبر، أي الضغط على المكابح بقوة وبهذه السرعة الجنونية قد يؤدي بالسيارة للانقلاب لا التوقف.
هناك أمثلة إدارية عديدة من واقع العمل أتركها لكل شخص منكم ليستذكرها ويطبق عليها هذه المعادلة، دون إغفال هذه العملية تحصل حتى على مستوى قرارات دول وإجراءات مؤثرة، وتصل أيضاً إلى البيت والعائلة.
تصحيح الخطأ لا يكون بخطأ آخر، بل يكون بإنهاء الخطأ وإبداله بإجراء تصحيحي سليم، وهذا ما يفشل فيه كثيرون، إلا من يمتلك الذكاء الإداري المبني على العلم والخبرة.