كان حفل تدشين ديوان «قال المعنى» للشاعر البحريني علي عبدالله خليفة حدثاً ثقافياً - وطنيا؛ ليس لأن الشاعر خليفة أحد رموز الثقافة الوطنية في البحرين، ولكن لأن طبيعة الديوان واحتفالية التدشين اكتسيا طابعاً وطنياً يجدر الانتباه إليه والحذو حذوه.
ديوان «قال المعنى» أعاد تسليط الضوء على فن الموال الشعبي عامة، والبحريني خاصة، ذلك الفن المكتنز بالجماليات اللغوية والخيالية والمفعم بالحكمة الإنسانية والتجارب الاجتماعية العميقة والقائم على الأداء اللغوي والطربي الخاصين، سيل من المفردات البحرينية المهجورة تدفق في حفل التدشين رقراقاً عذباً جعل الأصالة تحف قاعة العرض المكتظة بوسائل التكنولوجيا الحديثة، وما يبعث على الإحساس بالأسى أن حضور الموال الشعبي وإقبال الشباب والشعراء عليه والتدرب على تقنياته يكاد يكون قليلاً ومحدوداً على الساحة الشعرية في البحرين، فأكثر الشباب قد اتجهوا نحو الشعر النبطي الذي صار يمثل «موضة فنية» يضج بها الخليج العربي لها مسوغاتها الثقافية الخاصة بها.
من محامد الديوان وإبداعاته إرفاق قرص مدمج معه (CD) يتضمن قصائد الديوان بصوت الشاعر علي عبدالله خليفة، وبعضها مغنى بصوت نخبة من كبار المطربين البحرينيين والخليجيين، فكم كان مؤثراً عودة صوت كل من الفنانين البحرينيين خالد الشيخ وأحمد الجميري إلى الساحة بمواويل بحرينية شعبية تعيد للذاكرة الأليمة تلك السنوات الخوالي التي تألق فيها الفنانان وراجت أغانيهما على مستوى الوطن العربي، وكم كان رائعاً تغني كل من عبدالله الرويشد ومحمد المسباح ومهند محسن بالموال البحريني، فالنص البحريني قادر على تجاوز المحلية والحلول في مكونات الإبداعات الخليجية والعربية، وإنتاج الديوان على النحو السابق يعد شكلاً من أشكال ممارسة الثقافة في إطار حس وطني يروج للموروث الثقافي البحريني في حلة متجددة متطورة، ويحفز الكوادر البحرينية على المضي في هذا الدرب المتميز الذي يترك بصمته المؤثرة في وجدان المتلقي البحريني والخليجي والعربي.
وديوان «قال المعنى» أكثر من ديوان شعر، إنه عمل إبداعي متكامل تداخلت فيه الأجناس الفنية من إلقاء شعري وغناء وموسيقى وخط وفن تشكيلي وبرامج تقنية متقدمة، وكان للأستاذة بسمة قائد البناء الناشطة في مجال الثقافة دور بارز في وضع الرؤية الفنية وإدارة إنتاج الديوان ليخرج علينا بالصورة المبهرة تلك.
ومن المؤشرات الجيدة التي بشر بها إصدار الديوان هو قابلية القطاع الخاص والمؤسسات الاقتصادية الأهلية لدعم الفعاليات الثقافية، من خلال دعم العديد من المؤسسات الخاصة لإنتاج ديوان «قال المعنى»، فالتحدي الكبير الذي تواجهه الحركة الثقافية في البحرين هو قلة الموارد المالية وضعف الإمكانات المادية، ويصعب أن تتطور المجالات الثقافية دون دعم مالي وافر يساعد على توفير الكوادر المؤهلة وتجهيز الأماكن والمعدات، وبذلك يكون على عاتق المشتغلين بالإبداع الاعتناء بنوع المنتج الذي يسعون لتنفيذه من أجل إقناع المؤسسات الاقتصادية الخاصة بدعم مشاريعهم الفنية والإبداعية.
في ديوان الشاعر البحريني علي عبدالله خليفة «قال المعنى»: «أن الساحة الثقافية البحرينية واسعة ومنفتحة على الإبداع البحريني ليقتحم بضجيجه الأنيق ويحل بمواكبه المحملة بكل جديد معتق، والساحة الثقافية في البحرين في عطش للإنتاج البحريني البديع الذي يبعث درره النفيسة ويجوب الآفاق بأصدائه البهية، ونحن نتمنى أن يترك الأسلوب الفريد في الإنتاج والطرح لديوان (قال المعنى) أثراً لمن بعده يستلهم منه الفكرة ويعيد إنتاجها في مجالات مختلفة تنطلق من الترويج للثقافة البحرينية والإبداع البحريني».