في تصوري أن «للهويات» الإنسانية خيطاً جينياً رفيعاً فطرياً غريزياً في شخصية الإنسان يولد به، وهو ناجم من العامل الوراثي ويشكل الحد الأدنى من روابط الانتماء الإنساني لمحيطه الاجتماعي، إما أن ينميه الإنسان والمحيط والبيئة فتتكرس تلك الهوية وتنغرس وتصبح هي السمة الغالبة على سلوك الإنسان وفكره فتحدد انتماءه، أو يهمله الإنسان فيضمر لكنه لا يمكن أن يختفي تماماً يظل يبرز على السطح وتتلقاه الأذن أو العين أو الإحساس.
حتى لو حاول الإنسان أن يخلق روابط لهوية جديدة يبقى هذا الخيط مؤثراً وإن كان بالحد الأدنى مهما حاول الإنسان أن يخفيه أو يتجاهله.
حاولت أن أجد خيطاً للهوية العربية الخليجية عند أتباع الولي الفقيه فلم أجد، نجحت هذه العقيدة بسلخهم بالكامل من بيئتهم وانتمائهم، عزلتهم في فقاعتها وجعلت علاقتهم بالعالم الخارجي «أهل الخليج» محددة من خلال نافذة العقيدة الولائية هي التي «تفلتر» لهم المعلومة وتحدد لهم التفاعل المطلوب مع أهل الخليج.
في الملف العراقي والسوري واليمني واللبناني والبحريني لا يؤمنون إلا بمعلومات محددة وتفاعلهم محدد وواحد تردده الجماعة أين ما كان موقعها وأين ما كان موقع هذا الرجل وأياً كان تحصيله العلمي أو حتى موقعه الرسمي في الدولة!! فإنك ستجد موقفاً متطابقاً تماماً مع الموقف الإيراني ومتعارضاً تماماً مع الموقف الخليجي العربي.
تجد موقف السوري متطابقاً مع موقف اللبناني أو البحريني أو العراقي من الجماعة وهو متطابق تماماً مع الموقف الإيراني ومعارض تماماً للموقف الذي أجمع عليه أهل الخليج، التعليقات، الصور، المعلومات المتداولة بينهم ومع الآخرين تنم عن حالة انتماء إيراني بجدارة، لا تنتمي للحالة الخليجية، أهل الخليج كلهم في نظرهم تكفيريون وهابيون داعشيون، خطاب إيراني بامتياز، لا يفرحون معنا ولا يحزنون لحزننا، ولا يطربون لفننا ولا يتحدثون خطابنا، آلمتهم عاصفة الحزم، جعلتهم يتخبطون كمن مسه الشيطان، يعضون الأصابع قهراً، يشككون بالنصر، يقللون من أثره، ولا كأن هذا النصر لهم وهذا الأمن لهم ولا كأن هذا الحزم لهم.
بيننا ومعنا ولكن لا علم لنا يوقرونه ولا نداء وطنياً يلبونه ولا نصر لنا يؤزرونه، وهنا نبحث عن ذلك الذي نعنيه في بداية مقالنا نبحث عن خيط الهوية الرفيع الفطري الجيني العفوي التلقائي الذي يولد مع الإنسان فيرثه من أجداده فلا نجده، اختفى، لا قلب يحن ولا إحساس يفرض نفسه لا إرادياً بل ولا حياء يمنع إبراز حالة الخلع العربية الخليجية التي يعيشونها، هل يعقل أن فقيههم نجح في اجتثاث ما لا يجتث؟
اجتثاث هذا الخيط عملية ليست سهلة، إنك تعمل ضد الطبيعة هنا، عملية تتطلب جهداً كبيراً وعملاً طويلاً وصبراً ودقة وبرمجة طويلة معقدة تدخل فيها الثقافة والدين والتربية والمنهج ويعرف من يتصدى لها أنها عملية لن تحصد الثمار فوراً بل قد يتأخر حصاد الثمار لأجيال، عملية معقدة كنسيج السجاد، قد يتناوب على عملية نسج قطعة سجادة واحدة منها جيلان، ولنقر أنها كانت عملية ناجحة مائة في المائة، فلم يبق من ذلك الخيط أثر، تحول «عرب ولاية الفقيه» إلى إيرانيي الهوى قلباً وقالباً.
هم جزء منا رغم عزلتهم الإرادية، هم منا رغم نفرتهم الذاتية، كيف خسرناهم؟ كيف ضاعوا عنا؟ وهل فات الأوان على استرجاعهم؟ أعرف أن أصواتاً تقول إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، وأنهم هم الذي اختاروا بإرادتهم عدم ركوب السفينة وفضلوا أن يسبحوا وحدهم باحثين عن جبل إيراني يؤويهم، إنما يظلون رغم ذلك كله جزءاً مقتطعاً منا شئنا أم أبينا.. خسارة!