كثيراً ما نستشهد لأنفسنا وأبنائنا عندما تصيبنا خيبات الأمل في الحياة بقصة النملة التي حاولت مراراً وتكراراً من صعود الجدار وهي متمسكة أولاً بحبة الأرز على رأسها، ومتمسكة بوصول هدفها مكتملاً من جهة أخرى، ولم تفقد عزيمتها بالرغم من مرات الفشل التي واجهتها، معتبرين أن هذه القصة أسلوب غير مباشر لحثهم وتشجيعهم للاجتهاد وبذل الكثير من العطاء في طريقهم الأكاديمي باعتبار أنه هو المسلك الصحيح لننعم بمستقبل رغيد، وباعتبار أننا الآن في زمن العلم والمعرفة.
ومع كل ما يمكن أن نتخيله من تضحيات يكابدها الأهل لكي يحصل أبناؤهم على العلم، وإذ بنا وبكل وضوح وشفافية نقرأ في الصحف عن الطالب الذي تعرض لمجموعة من اللكمات والضربات من زمرة من التلامذة، والتي نتيجتها كانت طفلاً راقداً في المستشفى وأهله يساورهم الخوف على صحته ومستقبله، والطفل المتسبب بهذا الأذى يتم استجوابه في مركز الشرطة مع أهله. فأنا لا أتكلم عن مدرسة حكومية أو خاصة، لأن المبادئ والقيم لا تتجزأ. والسؤال الذي يطرح نفسه؛ أين المربون الأفاضل، أين المشرفون، أين المديرون؟ أين المساعدون؟؟ هل يعقل بأن ما يحدث الجميع في غفلة عنه؟
وكما يقول المثل «الولد ولد إن عمر بلد وإن خرب بلد»، وإن استطعت أن أعطي العذر للطفل أو الولد الذي تهجم على صديقه إلا أنني لا أستطع أن أعطي الأعذار للمدرسين الذين تنتابهم نوبات الغضب ويقومون بالتهجم على الطلبة سواء جسدياً أو لفظياً، والذين لابد أن يتم عرضهم على طبيب نفسي لتشخيص وضعهم غير السوي مع تأديبهم بالشكل الذي يليق بتصرفاتهم الغراء.
فإن كنت تحملت الواقعتين الأوليين ووضعتهما في خانة «غير المنطق والمقبول»؛ فما بالكم عندما تنهال علينا المقاطع المصورة على شبكات التواصل الاجتماعي عن الممارسات العنيفة التي يقوم بها بعض المدرسين على الأطفال والشباب في جلسات تحفيظ القرآن الكريم وتجويده وعلومه في المساجد أو في دور التحفيظ؟
ولم يكتف الأمر بهذا الحد؛ بل أصابني ذهول ما بعده ذهول عندما قرأت في إحدى الصحف المحلية العنوان التالي «مؤذن يعتدي على عرض طفل معاق خلال تحفيظه القرآن» وأن القضية الآن تنظرها المحكمة الكبرى الجنائية.
أنا على يقين بأن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته بالرغم من اعترافه الواعي والعاقل باعتدائه على عرض الطفل وقيامه بتحسس وتلمس مناطق العفة بجسد هذا الطفل البريء الذي خصه الله سبحانه وتعالى بتخلف عقلي بسيط، وبالرغم من هذا تمكن من الشرح لوالدته التي التمست بهذا المؤذن خيراً وحسن الظن والقلب والعقل الواعي عندما كان ينفرد بولدها بعد الجلسة الجماعية والتركيز له بمفرده باعتبار أنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن هذه الأم المسكينة تتفاجأ بعدها أن المؤذن المبرور قد سولت نفسه أمراً منكراً.
أفيدوني أفادكم الله، فأحياناً الكلمات والعبارات تخوننا في مثل هذه المواقف التي يكون الاعتداء الأول فيها على عفة ديننا الحنيف وكرامته من أناس ضعيفة غير قادرة على ضبط سلوكها النفسي تسعى إلى تشويه أغلى وأرقى العبادات التي ترقى بالعبد دنيا وديناً.
كيف يمكننا أن نزرع القيم والأخلاق في نفوس أبنائنا وهم يرون هذه الأشكال تحوم حولهم؟ ما المقصود من كل هذا؟ تخويف الكبار قبل الصغار من المدارس لنشأة جيل متعلم ومثقف ومفكر أو إرهابنا من دور العبادة لكي نضمن جيلاً رزيناً يمسك كتاب الله في يمناه وتكون الحكمة تاجاً على رأسه.