من الطبيعي أن ينبري المروجون للموقف الإيراني والمهووسون بإيران وسياستها مباشرة بعد إعلان انتهاء عملية «عاصفة الحزم» وبدء عملية «إعادة الأمل» ليقولوا إن القرار يعني هزيمة قوات التحالف وصمود الحوثي ونجاح التحرك الإيراني ودبلوماسيتها، و«سنطارد السعودية في كل مكان وسننتقم لدماء شعب اليمن، ونعد العدة للانتقام وأن الرد سيكون قريباً ولا ننتظر سوى إشارة عبد الملك الحوثي»، كما صرح أحد القياديين الحوثيين لبعض الفضائيات الموالية لإيران فور انتهاء العميد العسيري من إعلان القرار، فليس من كلام في مثل هذه الظروف سوى هذا الذي لا قيمة له، وهو يشبه كلام أي ضعيف فلت للتو من عملية ضرب مبرح من قبل شخص أقوى منه، فمن الطبيعي أن يقول مثل هذا الشخص «ما عليه.. براويك.. بتشوف.. اصبر علي»، وغير هذا من عبارات مأكول خيرها!
ما حصل هو أن قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية حددت لنفسها مجموعة من الأهداف وسعت إلى تحقيقها وهي «حماية الشرعية اليمنية، وردع ميليشيا الحوثي، ومنعها من تهديد أمن دول الجوار»، وبما أن كل هذه الأهداف تحققت لذا صار لزاماً إنهاء العملية وبدء مرحلة جديدة ملخصها دعم العملية السياسية في اليمن كي يتوصل اليمنيون بأنفسهم إلى توافق يؤدي إلى استقرار اليمن وتوفير الشعور بالأمان لدول الجوار وإعادة البناء، فالهدف لم يكن ضرب الشعب اليمني أو تركيعه أو احتلال أرضه، ولكن كان للانتصار له ولتوفير أسس الاستقرار للمنطقة.
ومثلما أن وسائل الإعلام الإيرانية وتلك التابعة لها اهتمت طوال فترة عاصفة الحزم بالتركيز على مسألة أن ما يجري في اليمن هو «عدوان سعودي»، وبث وتكرار بث لقطات لبعض المتضررين من العمليات من المدنيين، كذلك فإن هذه الوسائل ستهتم في الفترة من لحظة إعلان إنهاء عملية عاصفة الحزم وحتى صدور تعليمات إيرانية جديدة بالتركيز على مسألة أن إنهاء العملية سببه «هزيمة قوات التحالف بعد أن وجدت أن خسائرها أكثر مما توقعت، وبعد أن خذلتها باكستان التي تذرعت بقرار البرلمان، ومصر التي تهربت من المساهمة في العمليات البرية واكتفت بمشاركة جوية وبحرية رمزية، وتركيا التي ناورت حتى فلتت من أي التزام».
إيران و«توابعها» سيهتمون خلال الفترة المقبلة بالترويج لمثل هذه الأفكار، وكذلك لمسألة أن قرار قوات التحالف كان نتيجة مباشرة للتحرك الدبلوماسي الإيراني، بدليل أن نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أعرب عن تفاؤله بإمكان إنهاء عملية عاصفة الحزم قبل الإعلان الرسمي عنه من قبل قوات التحالف بساعات، وقبيل اجتماع نواب وزراء خارجية إيران وسويسرا وسوريا في طهران، حيث قال في مؤتمر صحافي «التطورات في اليمن من المواضيع التي تهتم بها بلادنا، ونحن متفائلون بخصوص انتهاء العملية العسكرية في اليمن خلال الساعات المقبلة.. نتيجة الجهود الدبلوماسية».
سيهتمون بكل هذا وسيرددونه باستمرار حتى في ظل إمكانية تفسير ما حصل بأن الحوثي اضطر للقبول بالأمر الواقع، وأن الإيرانيين نجحوا في إقناعه بعدم جدوى مواصلة العناد والسماح له بذلك.
الإعلام الإيراني يمتلك الخبرة التي تسهل له تقديم الحقائق المغلوطة وإقناع المتلقي بأنها هي الحقائق التي لا يأتيها الباطل من أي مكان، فبدل أن تعترف بأن إيران خذلت اليمنيين بعد أن «زهزهت» لهم وتركتهم يواجهون الضربات الساحقة لوحدهم نجدها تسعى إلى الترويج لفكرة أن إيران لم تقف مكتوفة اليدين وإنما سعت بكل ما تستطيع إلى وقف العمليات، وأن ما حدث هو نتيجة لنجاح تحركها الدبلوماسي، وأن هذا التحرك دليل على أنها مع الحوار والمفاوضات وأنها انتصرت!
التجربة تقود إلى الاعتقاد أن إيران ستبدأ منذ اللحظة عملية تحريض الحوثيين على ضرب السعودية بدافع الانتقام.