في 15 أبريل الماضي نشرت مقالاً هناك بعنوان «18 مخالفة جنائية للنيابة.. كفو يا نواب»، وكان معنياً بجلسة النواب في اليوم الذي سبقه، والذي فيها -كما أعلن النواب عبر وسائل التواصل- أن 33 نائباً «تقدموا بطلب موقع» لإحالة المخالفات الجنائية الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية عن 18 جهة حكومية إلى النيابة العامة لأول مرة.
ولأنها خطوة غير مسبوقة، ولأنه تحرك يصب في اتجاه ما ينادي الناس بشأن محاربة الفساد والمفسدين، ولأنها خطوة سليمة يقوم بها النواب تتسق مع ما نطالبهم به من أداء، كان تفاعلنا في الصحافة معهم سريعاً وفورياً معلنين دعمهم وتأييدهم على هذا الموقف.
كنت أقول لعلها خطوة طيبة في اتجاه تحقيق أمور عجزت عنها المجالس النيابية السابقة، وأربط ذلك بالحراك المبدئي الذي قام به النواب في الفصل التشريعي الجديد في ظل تغير 30 عضواً من أعضاء المجلس السابق، لكن طبعاً رأيي الشخصي لا يكفي، بالتالي معرفة رأي الناس هو الأهم، معرفة انطباع الناخبين الذين بأصواتهم أوصلوا النواب لكراسيهم هو المحك والفيصل.
حينما نشرنا الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي كانت ردود الناس متباينة، كان منهم المتفائل الذي رأى في الخطوة تحركاً طيباً في اتجاه تصحيح أداء النواب، وكان منهم من أعلن بأنه سينتظر ما تؤول له العملية في النهاية، باعتبار أن هناك من «الجعجعة» الكثير لكن لا «طحين» يوازيها في المقابل، في حين كان من يكاد يبصم بالعشرة بأن ما أعلنوه وقالوه لن يتحقق وأن الأيام بيننا.
مشكلة النواب أنهم يضعون أنفسهم دائماً في مواقع حرج، بل يحرجون حتى من يبحث لهم عن إنجازات ملموسة، ويحاول أن يبين للناس بأنه «لربما» المستقبل أفضل من الماضي، وأنه «لربما» زاد الوعي وأصبحت الجدية هي ديدن العمل اليوم في المجلس التشريعي.
لا أريد لوم أحد، ولا أريد القسوة على النواب، إذ يكفيهم سماع رأي الناس حتى يجعل بعضهم لا ينام ليله إن كان أقلها صاحب ضمير حي أو يمتلك إحساساً، وهم قلة للأسف. لكن أقول بأن المتتبع لنتائج بعض التصريحات وما يتم إعلانه يكتشف بأنه «تائه» و»ضائع» أمام «شح» المعلومات، بل والكارثة حينما يكون هناك تناقض في التصريحات ومضامينها.
بحسب بعض النواب أن الطلب وقع وقدم لرئاسة البرلمان، لكن بحسب تصريح نشر يوم أمس لرئيس مجلس النواب، فإنه لم يستلم أي طلب مرفوع من قبل النواب الـ33 بشأن إحالة المخالفات للنيابة، وأنه فقط «سمع» بهذا الموضوع!
طيب، ما القصة هنا يا جماعة الخير؟! والله ذكرتني التصريحات المتناقضة هنا بالقصة الشهيرة في الفصل التشريعي السابق بشأن طلب استجواب وزير المالية، حينما جمع أحد النواب تواقيع عدد كبير من النواب على ورقة طلب الاستجواب، وضع الورقة على طاولته وذهب لدورة المياه وعاد فلم يجدها، اختفت، تبخرت بقدرة قادر. وحينما أعاد الكرة مرة أخرى في شأن عملية جمع التواقيع «قل» عدد النواب الموقعين عن السابق. وطبعاً لا نحتاج للمحقق الشهير «كولومبو» حتى «نفهم السالفة»!
الخبر المنشور بالأمس يقول بأن رئيس المجلس غادر الجلسة النيابية المعنية لارتباطه بمهمة سفر خارجية، ما يعني وجود افتراضات واحتمالات، أحدها بأنه لم يستلم الخطاب، لكن هذا يعني أن نائبيه الأول أو الثاني استلماها، ما يعني أنه بالضرورة أخطر باستلامها، وحين عودته سلمت له. لكن الافتراض الثاني يقول بأن النواب قدموا الرسالة و»لربما» ضاعت أو حصل لها ما حصل! أو الافتراض الثالث بأنها لم ترفع بشكل رسمي، وأن النية أعلن عنها كلامياً، ومازالت عملية صياغة رسالة الطلب ورفعها مستمرة!
أعرف تماماً، أن كل افتراض أوردته أعلاه، وأن طرحي للموضوع، وقولي بأن هناك «تناقضات»، كلها أمور قد تجد لدى النواب «إجابات» و«ردود»، وأن هناك عدداً سيدافع عن موقفه، وأن هناك من سيقول بأن المعلومات ليست دقيقة، ولربما يقول البعض بأن ما نشر غير دقيق وصائب بشأن موقف النواب أو تصريح الرئيس، كل هذا أعرفه تماماً.
لكن الزبدة فيما أقول هنا، بأنه لماذا توجد حالات «غموض» تلف أموراً ومسائل يفترض أنها «واضحة» و«مباشرة»؟! لماذا نفاجأ بتصريحات متناقضة؟! ألا تدركون بأن كل هذه الأمور تؤثر على الناس، وتحرك لديهم مشاعر متناقضة، وفي المثال الذي أوردناه مشاعر تتجه في مسار واحد نتيجتها تقليل نسبة الثقة في النواب وجديتهم.
رجاء يا نواب البرلمان، إن كنتم تريدون احترام الناس وتعزيز ثقتهم فيكم فكونوا واضحين معهم، لا تخبروهم بأشياء مازالت أفكاراً، ولا تعدوهم بأمور مازالت لم تكتب على الورق بالأحبار، ولا تقولوا لهم سيحصل هذا الأمر «اليوم» وأنتم حتى الغد لم تكتبوا فيه شيئاً ولم تحركوا فيه ساكناً.
أما إن كانت رسالة الطلب صيغت ورفعت وقدمت وحتى الآن رئيس المجلس لم يستلمها، فعندها سأقول للنواب جملة واحدة فقط: رجاء لا تلوموا الحكومة إن تأخرت في تقديم الميزانية، لا تلوموها إن تأخرت ردود وزرائها، ولا تلوموا الصحافة إن انتقدتكم على الدوام، ولا تلوموا الناس إن لم يحسبوا لكم إنجازاً، فرسائلكم بين بعضكم تأخذ وقتاً لتصل، أوراق تضيع وتختفي، وتصريحات تتناقض، وما خفي «نرجو» ألا يكون أعظم.
النواب الـ33، إن لم تصل الورقة اكتبوا غيرها ووقعوها وأرسلوها مرة أخرى، وأتمنى ألا نجد عدد النواب قد قل عن الرقم المذكور، مثلما حصل مع طلب استجواب وزير المالية قبل عامين!!