ليس قبل الميلاد ولا وسط أحراش الغابات ولا يسكنون سفح الجبال، إنهم أهل الأنبار الذين صاروا غرباء ومشردين في أرضهم، لا يعرفون أين يولون بوجوهم؛ طائرات التحالف فوقهم ومليشيات الحشد الشعبي تطاردهم، وها هم اليوم على أبواب بغداد ينتظرون دخول مدينتهم التي أصبحت محرمة عليهم، عندما أصبحت حكومتها طائفية صفوية يديرها سليماني ويوجهها السيستاني ويفتي لها خامنئاني.
إنهم اليوم في انتظار كفيل يضمن دخولهم وأطفالهم ومرضاهم وشيبهم، على أبواب مدينتهم قد تقطعت نعالهم وتصلبت أقدامهم، جاؤوا مشياً من الأنبار يحملون أطفالهم وما يقدرون عليه من أغطيتهم وملابسهم بين أنين ودموع وحسرة وضيم وذل لم يحصل لأي شعب مثله.
ومنذ 2003، حيث تولى المتطرفون الموالون لإيران الحكم في دولة عربية الأصل والجذور والتاريخ، وهذا الفارسي الحاقد يسحق شعبها سحقاً لأجل حقد دفين ظهر اليوم وتجلى أمام عدسات الكاميرات وعلى القنوات، فجميع العالم يشاهده، يشاهد دموع النساء والأطفال وبكاء الرجال، هذا ما يحصل اليوم لأهل العراق، الذين يفترشون الأرض عند أبواب عاصمتهم.
وها هي لقاء وردي، عضو لجنة الهجرة والمهجرين، تقول إن تعداد النازحين من الأنبار يقارب مائتي ألف شخص بدون مأوى يفترشون الأرض، فروا سيراً على الأقدام من مناطقهم، إلى أن وصلوا إلى المداخل الغربية للعاصمة بغداد التي تبعد عن الأبنار حوالي 110 كيلومترات، كما قالت أيضاً إن العوائل النازحة تتعرض إلى الإهانات من قبل عمليات بغداد.
كما دشن نشطاء من العرب على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تحت عنوان «أغيثوا نازحي الأنبار» للتعريف بالظروف اللا إنسانية التي يتعرض لها النازحون، والتي تسببت في وفاة أطفال ومسنين من النازحين بسبب مشقة الظروف.
كما دشن نشطاء عراقيون وعرب هاشتاقا آخر بعنوان «# السني _إلا_كفيل»، يعلنون فيه رفضهم لنظام الكفيل الذي أقرته الحكومة العراقية، وكما ذكر التقرير نفسه أنهم يسعون من خلاله تسليط الضوء على المأساة التي يتعرض لها السنة في العراق الذين دافعوا عن الوطن حفاظاً على وحدته، ولم ينصفهم الحكام، كما قال المغرد «صدى النقد» على نفس الهاشتاق «أيها الناس، السني في العراق مدان حتى تثبت صفويته».
لقد هرب أهل الأنبار من بطش مليشيات الحشد الشعبي الذي شكل لأجل إجلاء أهل السنة من مناطقهم، وليس كما يدعي الإعلام العراقي لأجل محاربة «داعش»، ونعرض لنموذج من جرائم هذا الحشد؛ فقد قام أحد ضباط هذا الحشد بقتل رجلين من أبناء المدنية نحراً بالسكين داخل مقر قيادة عمليات الأنبار، وقال الشيخ عبدالرزاق الشمري إن «ضابطاً برتبة عقيد قام بذبح المواطن رافع حسن الجابرية والمواطن وسام أمطيران الجابري اللذين تم اعتقالهما دون مذكرة قبض وعدم وجود أي تهمة ضدهما، وقام بنحرهما بالسكين وإلقاء جثتيهما أمام مقر القيادة»، كما قال إن جرائم الحشد الشعبي لا تختلف عن جرائم داعش، فكلاهما صنيعة إيرانية هدفها القضاء على العرب السنة.
هذا يحدث أمام مرأى العالم وتتناقل أخباره القنوات العربية، ومن القنوات العربية التي تجري المقابلات مع منتسبي الحكومة العراقية ليبرروا أن ما يقومون به هو محاربة «داعش»، وفي الأخير لا نرى داعشياً واحداً؛ بل نرى جثث أهل السنة المنحورة، أهل السنة التي استطاعت إيران وأمريكا من خلال صناعة داعش كي يكون وسيلة ومبرراً لتصفية عشرات الملايين من السنة بغطاء شرعي شنه تحالف دولي شاركت فيه الدول العربية، التي لم تتحرك حتى اليوم لتحاسب الحكومة العراقية على جرائم الحشد الشعبي الشيعي.
أهل الأنبار اليوم تقذف عليهم الوجبات الغذائية من الطائرات الأمريكية، فتصوروا هذا يحدث للشعب الأمريكي أو البريطاني، أو يحدث في دولة أوروبية، هذه الدول التي يتسارع إليها العالم العربي ودول الخليج عندما تتعرض ولاية من ولاياتها إلى فيضان أو طوفان، فإذا بالطائرات المحملة بالأجهزة والخيام وأطيب الطعام، وإذا بالمعونات والمؤونات والملايين تتدفق على هذه الولاية من الدول العربية، ولكن عندما يستباح الدم العربي في العراق وتهتك أعراضه ويقتل أبناؤه ويموت أطفاله ويطرد من مدنه ويصبح لاجئاً عند أبواب عاصمته، لا أحد يسمع أنينه ولا ونينه، ولا يكترث به، إلا طائرات أمريكية تتصدق عليه ببعض السندويشات الباردة أو قطع البسكويت، فهذا حال أهل العراق ومنذ 2003 يرضخون تحت حكم صفوي أذلهم إذلالاً، وسلب أرضهم ومالهم، حتى أصبح الموت أمنيتهم.
إنها الصفوية المدمرة أينما حلت، إنها الصفوية التي ذقنا ويلاتها قليلاً ولمدة شهر واحد ورأينا نموذجاً بسيطاً منها، عندما هرست الأجساد تحت المركبات، وعندما أصبح أهل البحرين يبحثون عن الدواء والعلاج بين مستشفيات دول الخليج، عندما منع عنهم العلاج، ورأينا كيف قطعت علينا الطرق، وكيف شجت صدور أبنائنا، وكيف خرقت رقابهم، وكيف تناثرت أشلاؤهم، إنها صورة طبق الأصل، فما بالكم إذا ما تمكنوا من العاصمة كما تمكنوا من بغداد، فما يحصل الآن في الأنبار هو جرح في قلوبنا وألم في صدورنا لأننا نرى أنفسنا فيهم، فجريمتهم أنهم سنة، وعقوبتهم ذبح بالسكين عندما تتمكن منهم حكومة صفوية، لا تهتم إذا ما رمت جثثهم بعد ذبحهم أمام باب القيادة، لأنهم يعلمون أنهم ينفذون تعليمات حكومتهم.
ولا نقول إلا لكم الله يا أهل العراق.