لم تتمكن إيران منذ أن سيطر الملالي على الحكم فيها عام 1979 وإلى اليوم من تقديم نموذج يمكن أن يحتذى به ويعتبره الآخرون مثالاً، ومع هذا يسعى البعض إلى استنساخ تلك التجربة الفاشلة التي وفرت لمن بيده سلطة دينية سلطة دنيوية، فخلطوا هذا بذاك وضاعوا وضيعوا العالم من حولهم، ومع هذا أيضاً لم يكفوا عن محاولاتهم لتصدير نموذجهم واعتبروه نموذجاً ناجحاً يستحق أن يتفضلوا به على العالم!
قالوا إنهم سيوفرون العدل فظلموا، وقالوا إنهم سيوزعون الثروة بالقسطاس فكنزوها في جيوبهم وزاد عدد الفقراء في كل مناطق إيران، خصوصاً الحدودية منها كونها قليلة السكان فقيرة الصوت، وقالوا إنهم سيشبعون شعبهم فجوعوه وحولوه إلى حاقد عليهم وعلى دول الخليج العربي التي قدمت مقابل نموذجهم الفاشل نموذجاً قابلاً للحسد، وإن لم يعجب البعض المهووس بكلام أولئك الملالي الذين يتخبطون في السياسة ولا يعرفون شرقها من غربها.
في تلك السنة نجحت الثورة في إيران فاستبشر الجميع، بما فيهم أهل الخليج وقادته خيراً، وظنوا أنه انتصار للإسلام، لكن الجميع فوجئ بالخطأ الاستراتيجي الأول الذي ارتكبه الملالي حيث تقافزت تصريحاتهم عن عزمهم تصدير الثورة إلى دول الخليج العربي وتعبيراتهم الفاقدة للذوق من مثل «بحرين مال مو»، تلاه الخطأ الاستراتيجي الثاني بمواصلة احتلال الجزر الإماراتية، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، والتي كان يحتلها شاه إيران الذي ثاروا عليه واعتبروا تلك الجزر التي اغتصبها من حقهم وأنها جزء من الميراث.
ملالي إيران لم يكتفوا بتلك الأخطاء الكبيرة فأضافوا إليها خطأين آخرين؛ الأول هو التدخل في الشؤون الداخلية لدول التعاون واعتبار أنفسهم الأساس والسلطة الأكبر في المنطقة، والثاني «دعم المظلومين في المنطقة» وتحريضهم للثورة على قادتهم الذين يوفرون لهم ما لا يحلم الملالي بتوفيره لشعب إيران المغلوب على أمره، والذي لم يعد يثق في قادته الذين يرى أنهم لم يقدموا النموذج الذي يمكن أن يحتذى، فاستمروا في ظلمهم للبلوش والأحوازيين.. والإيرانيين جميعاً.
يخبرني صديق فقد عزيزاً له في إيران التي سافر إليها في سياحة دينية أنه احتاج إلى أربعة أيام كي يتمكن من إنهاء إجراءات نقل الجثة من هناك إلى بلاده بسبب البيروقراطية، وأنه اضطر إلى دفع الكثير من الرشاوى كي يتمكن من الانتهاء من تلك الإجراءات، وإنه عندما اقترح عليه البعض دفن الجثة هناك تبين له أن الموضوع سيكفله نحو أربعة عشر ألف دينار، وهو ما لا يمكن لعاقل أن يقبل به، خصوصاً بعدما سرقت محفظته في مركز الشرطة الذي تواجد فيه كنقطة من نقاط تخليص إجراءات نقل الجثة.
أما الحديث عن الشباب الإيراني العاطل عن العمل والتفكير فيحتاج إلى مقالات ومقالات، وكذا الحديث عن الشباب الذي وقع بسبب فشل ذلك النموذج في المخدرات لعله ينسى ما هو فيه ويتغلب على آلامه، والشباب المقيم في السجون.
كل من يزور إيران ينبهر بالقشور لكنه سرعان ما يكتشف أن تحتها صوراً من التخلف كثيرة ونموذجاً يدهش، وكيف أن عقول المعجبين به والحالمين قبلت أن تطالب بنقله إلى دول المنطقة، لأنه، منطقاً، لا يمكن أن يقبل أهل الخليج العربي بالتنازل عما لديهم وما هم فيه من خير والذهاب إلى ما هو أدنى ليفتقروا.
النموذج الإيراني فاشل، ولا يمكن لأهل الخليج العربي أن يتخذوه مثالاً ومخرجاً، فما لديهم أفضل ألف مرة من ذلك النموذج الذي لن يورثهم سوى التخلف ولن يمنحهم غير الأذى وغير تحويلهم إلى رافعين للشعارات الفارغة.
اليوم مسؤولية الباحثين في الشأن الإيراني كبيرة، فبإمكانهم تقديم الصورة الحقيقية لذلك النموذج الفاشل.