الناس تغيرت، لم تعد «للتوجيهات» العليا أي فعالية أو قوة تأثير عليهم كما كان الأمر سابقاً، فإن كانت محاولات التطبيع التي يقوم بها بعض الوزراء مع «مجموعة الخيانة» المسؤولة عن أحداث 2011 قد صدر بها توجيه من جهات عليا في الدولة فإن هذا التوجيه سيلزم من نفذها فقط، أي أنه سيلزم الوزراء الذين ينفذون التوجيه ومن معهم إن كان مرغماً أو مضطراً على تنفيذها على مضض بحكم موقعه في العمل ومصدر رزقه، لكنها غير ملزمة كي «تفرضها» على المجتمع البحريني قسراً بالإصرار وبالتكرار وبالعناد، فإنها لا تأتي إلا بالنتائج العكسية على من يحاول فرض التطبيع وعلى من يراد لشعب البحرين التطبيع معه.
لا تخلطوا بين محاولات إعادة اللحمة الوطنية بين الشيعة و السنة المطلوبة والتي لا اعتراض عليها وبين محاولة إعادة الدمج القسرية «لمجموعة 2011» الشيعة والسنة منهم مع المجتمع البحريني، كما لا تخلطوا بين من يمثل «المعارضة المعتدلة» و من يمثل «ارحلوا». هذان مشروعان مختلفان وتوجهان مختلفان الأول مطلوب أما الثاني فمنبوذ.
فهمكم واستيعابكم لأحداث 2011 المختلف عن فهم غالبية كبيرة من شعب البحرين يشكل عائقاً أمام التقارب معها ولا يترك أرضية مشتركة للوقوف عليها، كما لا يمكنكم إجبار الناس على تبني فهمكم الخاص بتلك الأحداث والتي تبنون عليها علاقاتكم الاجتماعية ومواقفكم السياسية.
المجتمع البحريني خص هذه المجموعة تحديداً بالرفض فلا ينظر لها على أن تمثل الشيعة ولا ينظر لها على أنها تمثل المعارضة المعتدلة، فلصفة «المعارضة» استحقاقات لا تنطبق على مجموعة 2011، فلا تحاول أي جهة أن تفرضهم على الشعب البحريني عن طريق التودد لهم و دعوتهم ورعاية فعالياتهم، فكل هذه الأساليب تؤتي نتائج عكسية، وتباعد بين من يقبل أن يلعب هذا الدور وبين الشرائح المجتمعية فلا تجنوا على وزرائكم.
يجب أن يفهم أصحاب هذه المحاولات «سيكولوجية» الشعب البحريني قبل أن يتعاطوا معه، فالشعب البحريني رغم بساطته ورغم حلمه ورغم طبعه فإنه شعب يكره المجاملات ولا يعرفها بل إن أي مظهر من مظاهرها هو طارئ على تاريخه، لذا فإن ردة الفعل التلقائية والعفوية والمباشرة كانت رفضاً لتلك المحاولات وغضباً قاد للإساءة لأصحابها وإساءة لمن يعتقد أن تلك المحاولات تمت بتوجيهه ومن أجل إرضائه.
الناس تغيرت. انظر اليوم للمجلس التشريعي الذي كان يقبل تلقي «التوجيهات» اليوم المجلس يرفض المراسيم فما بالك ومشاريع القوانين المحالة له من الحكومة، ها هو يرفض ودفعة واحدة ثلاثة قوانين أرادت الحكومة تمريرها دون نقاش فأضفت عليها صفة الاستعجال، لكنّ لجنتي المالية والتشريعية أعطت درساً جديداً بأنها لن تقبل أن تحدد الحكومة هي صفة الاستعجال حسب مزاجها خاصة أنه لم يكن تقييم الصفة خاضعاً لسلطة النص كما هو قانون الميزانية.
حرية التعبير أطلقت طاقات الاستقلالية في الرأي وتخلصت من حرج سوء الفهم أو الالتباس، أو الاتهام بعدم الولاء، فذلك مسار لا يمس وقد امتحن في الشدائد كما حدث في 2011 وأثبت أن ولاء هذا الشعب وبشكل غير قابل للنقاش ولا للمزايدة لهذه الأرض و لدستورها ولميثاقها لهذا فهم معفون من الشرح ومعفون من التبرير حين يستقلون برأيهم ويخالفون قرارات أو توجيهات أي جهة حتى وإن كانت جهات عليا في الدولة.
شعب البحرين ما عاد كالسابق، شعب البحرين استسهل «اللا» بعد أن كانت عصية، لذا ومنعاً للحرج فإننا ننصح أن يكون لأصحاب القرار مراصد شعبية تجس النبض أولاً وتعرف اتجاه المزاج العام قبل أن تصدر أياً من توجيهاتها.