من أهم عوامل المعالجة الصحيحة ومن أهم مقومات عمليات الإصلاح مسألة إنهاء الخطأ فور حصوله وعملية ضمان عدم تكراره وهذا لا يحصل إلا بالتعامل الجاد المسؤول



أكرر وأقول إننا بالفعل ضيعنا 10 فرص ثمينة لندعم المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله، لنصحح أوضاعاً كثيرة خاطئة في البلد، ولنبدل الإخفاقات بالنجاحات. ضيعنا فرصاً متاحة لنا وبكل بساطة، ضيعناها بسبب التراخي والتساهل وعدم الجدية.
أتحدث هنا عن عشرة تقارير أصدرها ديوان الرقابة المالية والإدارية، عشرة تقارير انتهت إلى الأدراج وعلاها الغبار، وبغض النظر عن التحرك الجاد الذي نراه مؤخراً بشأن التقرير الأخير، لكن الحقيقة تقول بأننا بدأنا التحرك الفاعل متأخراً.
نعم، سيسمعني أحدهم الجملة الشهيرة الآن: «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً»، وهنا أتفق مع المقولة في مضمونها وإسقاطها على مسألة التقارير، لكنني أقولها وكلي أسف، إنه رغم ذلك فوتنا على أنفسنا فرصة التعامل الصحيح مع عشرة تقارير سابقة، وإن الوضع الطبيعي كان يفترض التعامل الجاد منذ صدور أول تقرير، لأن التعامل الصحيح معه كان هو المطلوب وهو الهدف الذي من أجله أنشئ الديوان، ويتفق تماماً مع رؤية جلالة الملك في فلسفة الإصلاح والتعديل.
لماذا أقول هنا إننا ضيعنا عشــر فرص؟! لأنه وبكل بساطة، كل تقرير من هذه التقارير كان يضم جملة من الممارسات الخاطئة التي أفضت لنتائج غير محمودة تضرر منها البلد وألقت بنتائج سلبية على الحراك في قطاعات الدولة وعطلت كثيراً من الأمور المفترض تحققها للناس، بل تسببت في إخفاقات مالية قادت لعجوزات واضحة مثلما نرى اليوم في العجز الإكتواري.
كل تقرير ضم حالات عديدة، وكل حالة بحد ذاتها كان يمكن لنا أن نستخدمها كـ«دراسة حالة» بحد ذاتها، منها نشخص أين كان الخطأ، وكيف حصل، ومن المتسبب فيه، وما هي الممارسات التي أدت إليه، والأهم من ذلك، كيف تكون آلية التعديل والتصحيح؟ بحيث تمكننا من تجنب الوقوع في الخطأ ذاته مرة أخرى.
أعلم تماماً أن هناك جهات عديدة تعاملت بشكل جاد ومهتم مع ملاحظات تقرير ديوان الرقابة، هذه الجهات صححت كثيراً من الممارسات الإدارية الخاطئة، وعدلت أوضاعها، بحيث لم يكن هناك أثر لنفس الملاحظات في تقرير العام الذي أعقبه، لكننا نتحدث هنا عن تلك المخالفات الكثيرة وتلك المبالغ الكبيرة التي اعتبرت مبالغ مهدورة، وهل تعاملنا مع هذه الحالات بحيث لم تتكرر مرة أخرى؟!
الشاهد هنا، أن هناك مخالفات تكررت، وبنفس الطريقة وبنفس الأسلوب وبنفس الآلية، وكأن هناك إصراراً على المضي في الطريق الخاطئ، وكأن هناك رفضاً لعملية التصحيح، أو أقلها الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية. مثل هذه الأمور هي ما تضعف قوة المشروع الإصلاحي، هي ما تزعزع ثقة الناس، وهي ما تخلق لدى المتابعين قناعة شبه مؤكدة بأن كثيراً من المعنيين بالقطاعات لا يقومون بعملهم على أكمل وجه، وأن نسبة يقظة الضمير باتت تتضاءل لمستوى الانقراض.
فكروا معي هنا واحسبوها بشكل منطقي، لو مسكنا كل ملاحظة في هذه التقارير، وعملنا على حلها بحيث تنتهي إلى الأبد، هل كنا سنجد حجم التقرير يتضخم؟! هل كنا سنجد نفس المسؤولين يكررون نفس الأخطاء؟! هل كنا سنقف مشدوهين أمام حجم المبالغ بالملايين التي لم توظف بشكل صحيح؟!
من أهم عوامل المعالجة الصحيحة، ومن أهم مقومات عمليات الإصلاح، مسألة إنهاء الخطأ فور حصوله، وعملية ضمان عدم تكراره، وهذا لا يحصل إلا بالتعامل الجاد المسؤول.
نعم، اليوم نشهد تحركاً إيجابياً في هذا الجانب، وندعو للجهود المبذولة سواء من النواب أو الحكومة بالتوفيق، بالفعل تحركنا في وقت متأخر وهو خير من ألا نتحرك أبداً مع استمرار التوثيق في التقارير لاستمرار وزيادة المخالفات، لكن تظل الحسرة موجودة على ضياع هذه الفرص الثمينة، إذ كان بالإمكان أفضل مما كان، كان بالإمكان اختصار الزمن لعشرة أعوام سابقة، لا التحرك بعد عقد من الزمان.