إن الدلالات التي نتبعها في تحليلنا لشكل المستقبل والحاضر، لا تعطينا الفرصة كي نكون متفائلين أو فرحين من وضع الحاضر فضلاً عن المستقبل، فهنالك أمور سلبية وخطيرة ومخيفة كثيرة جداً، بدأت تسطع كالشمس في رابعة النهار، ولهذا مهما حاولنا أن نكون إيجابيين في كثير من مراحل تصوير ما تعاني منه المنطقة العربية، نجد الطريق أمامنا مسدوداً في وجه الضياء.
هذه هي الحالة الطبيعية التي تجرنا إليها مجريات الأحداث في الإقليم، فالصراعات والنزاعات والحروب والإرهاب والفوضى العارمة التي تشهدها دولنا العربية، تدفعنا لخيار التشاؤم أكثر مما تحثنا على أدنى درجات التفاؤل، ولكن، بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، ولهذا سنظل نتشبث بخيوط الأمل حتى يكتب الله لنا فرجاً ويسهل لنا مخرجاً.
كما أن هنالك الكثير من المجانين، سواء من السياسيين أو حتى من المثقفين أو رجال الدين وغيرهم من الفئات الفاعلة والمؤثرة في المجتمع، إلا أن هنالك أيضاً شريحة عاقلة ومحترمة هي التي نعوِّل عليها في تغيير شكل المنطقة، فكل ما يحتاجه الإقليم في هذه المرحلة الحساسة من تاريخه، هو أن يتصدى العقلاء والحكماء من كافة شرائح المجتمعات العربية والإسلامية للحالة السياسية برويَّة وثبات، بدلاً من صمتهم غير المبرر عن القيام بكامل مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية تجاه أوطانهم القريبة من الانزلاق نحو المجهول، لو استمر الحال على ما هو عليه.
من المؤكد أن رهان الوطن العربي في المرحلة الراهنة يقع على عاتق عقلائه وحكمائه وعلى رجالاته وجيوشه أيضاً، لكن هذا لا يكون إلا بالمزيد من التدخل المباشر والتقدم إلى الأمام في شأن المنطقة لقطع الطريق على كل ما هو أجنبي يحاول استفزاز الواقع من خلال استراتيجياته القائمة على العبثية تارة، وتارة على الخوض في دمائنا من أجل تثبيت مصالحه على المدى البعيد. أمَّا الصمت أو التقهقر في وجه فوضى الأجنبي، فإن ذلك سيعيد أملنا في رسم المستقبل المشرق إلى المربع الأول!
بدأت اليوم تظهر بعض البوادر السياسية ولو على استحياء في دفع شبح الحرب والويلات عن المنطقة بأسرها، كما وصلنا لمرحلة شبه مؤكدة أن لا أحد يريد أن تتدهور الأوضاع فيها إلى أكثر مما هي عليه الآن، سواء من الدول الإقليمية أو حتى من الدول الأجنبية، حيث يعلم كل هؤلاء، أن أي "انفجار" من شأنه أن يشعل المنطقة بأسرها، والتي بعدها ستتبخر كل المصالح معها. تلكم المصالح التي يحاول كل طرف من أطراف الصراع أن تظل إلى جانبه طيلة خوضه الحرب المصيرية لأجل تركيز وجوده، حتى لا يخسر أكثر مما خسره في معارك تبدو عبثية أكثر مما تصنع مجداً لأي مستقبل.
المنطقة العربية مقبلة على تغييرات كبيرة وربما جذرية أيضاً، لكن في اعتقادنا أنها تغييرات إيجابية وفاعلة، ربما تنهي حالة الاختناق الكبير الذي تعيشه أوطاننا، وهذا هو أملنا الجميل في أن نظل في أمل لا ينتهي إلا بتحقق السلام في منطقتنا، وفي نهاية المطاف "لا يصح إلا الصحيح".