عندما زار الإمام محمد عبده رحمه الله أوروبا قال «ذهبت إلى بلاد الغرب رأيت الإسلام ولم أرَ مسلمين، وذهبت إلى بلاد العرب رأيت مسلمين ولم أرَ الإسلام!».
المسلم في هذا الزمان تجاوز هذه العبارة، حيث بدأنا نشعر أن كثيراً من المسلمين باتوا مسلمين بالاسم فقط، غير مدركين لوجود الله تعالى، وأنه سبحانه وتعالى مطلع على أعمالهم وأفكارهم.
تلك الظاهرة، وهي عدم إدراك أن الله موجود، ومطلع على أعمالنا وأفعالنا، باتت متفشية بشكل رهيب بين الناس، حتى غدا كثير منهم يتصرف وكأنه لم تعد له علاقة بالإسلام، سوى مسمى الديانة المذكور في جواز سفره. فالإسلام ليس لقباً تشريفياً يمنح للمرء، ولا عبادات تؤدى بشكل سريع دون التمعن في معانيها، بل الإسلام هو دين التعامل والأخلاق والسلوك الحسن.
منذ فترة، وأنا أتأمل في كثير من القصص والمواقف التي تمر وأسمع عنها، وتظهر لي شيئاً فشيئاً أن كثيراً من المسلمين باتوا يعيشون وهم مقتنعون أنهم مسلمون بما يقومون به من عبادات ولكنهم عند الفعل خاصة مع الآخرين لا يلتزمون بأفعال الإسلام السمحة، رغم أن ديننا دين الأخلاق. وكأن تصرفاتهم توحي للمرء وهو يتابعها أنهم لم يضعوا في الاعتبار وجود الله ولا الخشية منه -ونعوذ بالله من ذلك- وإذ كنا نسأل الكثيرين ممن نقوم بمناقشتهم كيف من يظلم ويطغى ويؤذي الآخرين لا يخاف من لقاء الله؟! هل لا يخشى اللحظة التي سيوضع فيها في قبر طوله متر في مترين ويغلق عليه إلى يوم القيامة؟! وقد يكون هذا القبر حفرة من حفر النار لما مارسه طيلة حياته من أذى وظلم. ألا يفكر هؤلاء إن لم يجدوا عقاباً أو رادعاً أن هناك عقاباً أكبر وأشد في الآخرة؟! ألا يفكرون أن الله يسقط الذنوب التي بينه وبين عباده، لكنه لا يسقط الذنوب التي بين العبد والآخرين؟! إن نار الدنيا إن لمسناها يوماً عن طريق الخطأ لا نتحملها، فكيف بنار جهنم؟! وإذا اتفقنا أن هذا الشخص غير مهتم أبداً بمسألة الثواب والعقاب، وكأنه هو الآخر أيضاً يدرج في فئة المسلمين بالاسم دون الفعل، ألا يفكر أن ما يمارسه مع الناس قد يتعرض له أحد أبنائه أو أحفاده مستقبلاً؟!
معظم الإجابات التي جاءتني من بعض الناس حول تلك المسألة كانت غريبة، وكأنها تعبر عن اقتناع بهذا المبدأ والمفهوم «هؤلاء لا يفكرون بهذه الطريقة، هؤلاء لا يرون الأمور من هذا المنظار، هؤلاء لا يعرفون هذا الكلام». «فنرد عليهم»: «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين».
من القصص التي نستعرضها وتؤكد مفهوم «مسلم بالاسم دون الفعل»، مدير في عمله السابق «غربل عيال الناس لين ما الناس باتت تقوم وتنام وهي تدعي عليه» وأول ما تم تعيينه في مكان آخر، قام بفصل موظف من ذوي الاحتياجات الخاصة قدم له إجازاته وتقاريره المرضية، ورغم حالته المادية ورغم تظلمه، إلا أنه لم ينصف ولم يبقَ خيار أمامه سوى توكيل محامٍ، وهو لا يملك المبلغ الذي يدفعه كمصاريف للقضية، فسكت واحتسب إلى الله. لم يفكر هذا المدير الذي لم يكن هذا الموظف أول ضحية يقيلها كيف سيعيش هؤلاء الشباب، ومنهم من لديه عائلة ومنهم مديون ومنهم معاق، وقد لا يجدون من يوظفهم جراء قرار فصلهم، وقد تنهار حياتهم في أي لحظة أو يلجؤون للانحراف «فقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق».
امرأة حياتها قائمة على إرسال الفتيات إلى الرجال وأخذ مبلغ مالي، ولا مانع إن أرسلت فتيات صغيرات إلى رجال في دول أخرى، فالأولوية الأولى في حياتها هي جمع المال لا شيء آخر، ولم تفكر أن هذا المال سيشهد عليها يوم القيامة بعدد المنازل التي هدمتها وبعدد المشاكل التي جاءت من وراء ما تقوم به من إفساد الفتيات وتضييع الرجال.
رجل دأب على مقابلة الفتيات والخروج معهن، بل ومحاولة سلب الهدايا والأموال منهن بالاحتيال والكذب، وكم من فتاة انتظرت وعده بالزواج منها فاختفى من حياتها بعد أخذه ما يريده منها، ويبدد وقته في الكلام مع الفتيات ولم يفكر يوماً في مصير الفتيات اللاتي ضاعت حياتهن بسببه، وإن لم يوقفه الخوف من الله، عليه أن يخاف أن تكون إحدى قريباته كأخواته أو بناته ضحية رجل مثله في يوم ما.
موظفه لا هم لها سوى التكلم في أعراض الناس وعلاقاتهم الزوجية، وطيلة الوقت تشتم وتسب وتتلفظ بكلمات بذيئة، بل إنها إن حضرت إلى الدوام، إما أن تنام على المكتب أو تخرج ولا تعود إلا وقت بصمة الخروج، وأعمالها تؤديها موظفة أخرى لم تعترض لأنها تحتاج إلى المال، ولم تفكر يوماً في الراتب الذي تتقاضاه مقابل عدم قيامها بأي شيء، والوظيفة التي تشغلها، مقابل الكثير من العاطلين عن العمل الجالسين في منازلهم وما تقوم به من إيذاء للآخرين وإزعاجهم، والتكلم عليهم سواء بالحلال أم بالحرام. أما الأغرب فزميلتها التي أمامها تدعي صداقتها ومن ورائها تتكلم عنها وعن فضائح عائلتها، وتدعي أنها مجرد زميلة لا صديقة، غير مسؤولة عن كل ما تقوم به من تصرفات مزعجة وكلام بذيء، حيث تقوم بنقل كل ما تقوله إلى موظفة أخرى، والتي عندما سرب أحدهم إليها ما تقوم به هذه الموظفة «المنافقة»، وهو يقول «هذي شيء عوود اللي تسويه من نفاق وكذب ونقل كلام فالفتنة أشد من القتل»، قالت الموظفة الأخرى «أعرف أنها منافقة ولها وجهان فلو كان لديها «ذات» لما تكلمت أصلاً عن عائلة المسؤول الذي كان سبب توظيفها هنا، فالكلام الذي تنقله لي يمكنني من معرفة ما يحصل من ورائي وسأستفيد منه لاحقاً كإثبات ضدها فهي لن تخاف سوى من هذا أمام نسيانها الله في ما تقوم».
هؤلاء الذين انشغلوا بطاعة أهواء أنفسهم وخبث تصرفاتهم على حساب طاعة الله والخشية منه، لا يسع المرء إلا أن يقول وهو يتابعهم «الحمد الله الذي عافانا مما ابتلاهم، واللهم اشغلني بذكرك عن ذكر غيرك واشغلنا بطاعاتك عن طاعة معاصي غيرك».