أكرر هذا السؤال دائماً بين فترة وأخرى، بالأخص حينما نستضاف ككتاب رأي وإعلاميين للحديث عن الصحافة والإعلام، ومفاده: هل الصحافة وسيلة تغيير؟!
لأرجىء الإجابة قليلاً، وهي وفق قناعة شخصية قد يختلف الكثيرون معي فيها، ولنقول بمناسبة اليوم العالمي للصحافة بأننا نتطلع سنوياً بأن يكون الواقع القادم أجمل للصحافة، وأن يتم فهم الرسالة الصحفية والإعلامية بشكلها الصحيح، دون أن ننسى الواجب المطلوب منا، بأن تكون الممارسات الصحفية وفق أعرافها المسؤولة وأدبياتها الاحترافية، خاصة وأننا نعيش زمناً تاهت فيه مفاهيم الصحافة الصحيحة.
شكراً لسمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة على كلمته المعنية بيوم الصحافة، والشكر الجزيل لمضامينها الواضحة والقوية، إذ عودنا رئيس الوزراء حفظه الله على قربه الدائم من الصحافة الوطنية، وعلى الاهتمام بما تتناوله وتطرحه من قضايا وهموم الوطن، بالأخص ما يرتبط منها بالناس وهمومهم وتطلعاتهم، تفاعل هذا القائد مع الصحافة بحد ذاته مثال يحتذى وأنموذج يدرس لأي مسؤول يتولى مسؤولية قطاع من قطاعات هذا الوطن.
أعود للإجابة على التساؤل أعلاه، هل الصحافة وسيلة تغيير اليوم؟! وأقول بأنه لو قمنا بتدقيق في واقع العمل الصحفي وربطه بالممارسات المقابلة من قبل قطاعات الدولة ومسؤوليها، ولو احتسبنا قياس نسبة التأثر بما تطرحه الصحافة، لخلصنا إلى نتيجة مؤسفة مفادها بأن صحافتنا اليوم ليست وسيلة تغيير، بل هي أقرب ما تكون إلى وسيلة ضغط.
دعوني أشرح، وأكرر بأن ما أكتبه هنا يعبر عن وجهة نظر شخصية مبنية على الواقع العملي طوال أكثر من 16 عاماً، ومدعمة بجانب هام معني بالأدبيات والنظريات الإعلامية المتطورة في الصحافة والإعلام الغربي الذي يتفوق علينا بمراحل قوية.
لو كانت صحافتنا وسيلة تغيير، لوجدنا ترجمة ذلك بصورة فورية مباشرة، لوجدنا أن قضايا كنا نكتب فيها منذ عشرين عاماً وأكثر قد انتهت منذ زمن طويل، لا أن نجدها مازالت حية على صفحات صحفنا وفي كتاباتنا، ما يعني أنها لو كانت وسيلة تغيير لحلت هذه المشاكل من فورها ولانقرضت منذ فترة.
التغيير لا تصنعه الصحافة، وأعني هنا الإجراءات المترتبة على ما تتطرق إليه الصحافة وأن تتناوله، بل التغيير الذي تقوم به الصحافة يتمثل بترقية العقول وتطوير الأفكار وسبر الأمور والبحث عن الحقائق وتوصيل نبض الشارع، وفي هذا الشأن الصحافة «تغيرت» عما كانت عليه في السابق، باتت حريتها شبه مطلقة، وباتت تتطرق لأمور كانت تعتبر سابقاً خطوطاً حمراء، وبات فضاؤها أرحب للناس ليعبروا من خلالهم، وفي هذا الشأن نذكر للمشروع الإصلاحي وأثره على الانفتاح الإعلامي وحرية التعبير والنشر، نذكر له أثاره الإيجابية.
التغيير لا تحققه الصحافة، حينما تترسخ عقلية خاطئة لدى المسؤولين في آلية التعامل مع المؤسسات الصحفية، حينما يرى بعضهم علاقته بالصحافة وما ينشر فيها يجب أن تكون إما ردوداً غير شافية «فقط للتسكيت» على موضوعات تطرح، أو يرى الصحافة بأنها وسيلة نشر لأخباره وصوره وإنجازاته فقط. وللأسف لأن الممارسة الصحفية في بعض حالاتها تقبل بأن تعامل بهذه الطريقة، باتت عملية التغيير هلامية الشكل، ولم تعد أساساً في العمل الإعلامي بقدر ما أصبح الأساس استقطاب الإعلانات وكسب تحالفات تجارية وتقوية العلاقة بالمسؤولين الرسميين.
وعليه، بات توجه العمل الصحفي يرتكز في شكل أساسي اليوم «عند من مازال يقاتل من أجل ثوابت الصحافة»، بات يرتكز على «الضغط» بكشف الأمور الخفية على الملأ، وبممارسة النقد وعدم الرضوخ لمحاولات الترويض، ونعم أقولها «محاولات ترويض» يقوم بها بعض المسؤولين «عيني عينك».
أنا مقتنع شخصياً اليوم بأن التغيير الذي يكون من قبل الصحافة لا يتأتى إلا عبر أسلوب الضغط، وعبر إيصال صوت من لا يريد بعض المسؤولين إيصال صوتهم، وأعني هنا الناس، يضاف إليها الاستمرار بالمطالبة في كشف الغموض وحل المشاكل وتحديد المخطئين والدعوة لتحقيق العدالة وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب.
في الغرب الصحافة تهز كيانات لا تهتز، يرتعد الوزراء والمسؤولون الذين لا يلتزمون بأخلاقيات ومسؤوليات مهامهم أمامها، هناك الصحافة لها وزن حقيقي، لا وزن افتراضي، وهذا ما ننشده لصحافتنا وما نتمنى أن تصل إليه. من دخل الصحافة مؤمناً بقيمها وأهدافها ورسالتها السامية، هو من لا يقبل بأن تكون الصحافة وسيلة «امتطاء» لبعض المسؤولين، هو من لا يقبل بأن تنحرف عن أداء دورها المربوط بالمواطن ومعيار الصح والخطأ، لكن من يطرأ عليها للأسف، ومن يراها «مهنة» لا «حرفة» يمكنه أن يضيع بوصلتها بسهولة ويحولها لدائرة علاقات عامة لا «سلطة رابعة» فاعلة.
أخيراً، لنواب البرلمان نقول: آن الأوان لتقروا قانون الصحافة دون تعطيل، إذ مل الصحفيون مما يحصل لهذا القانون الذي لم يرَ النواب طوال ثلاثة فصول تشريعية، ولا نريد القول بأنه طوال تلك الفترات كان تعطيله خادماً لكثير من المسؤولين والمعنيين وحتى كثير من النواب، إذ من منهم يريد للصحافة وأهلها مزيداً من القوة والحماية القانونية؟! بعضهم وللأسف لو «كان الود وده» لرفع كل يوم دعوة قضائية على الصحف والكتاب، ولا نبالغ هنا! إذ من يفقأ عينيه بيده؟!
عموماً، عام جديد نتمناه مغايراً للصحافة والإعلام، نتمنى فيه تحقيق مالم يتحقق في السابق، ونتمنى فيه التعامل بـ»احترام» و»احترافية» من قبل كثير من المسؤولين مع الصحافة، ولكم في الأمير خليفة بن سلمان خير قدوة.
اتجاه معاكس:
هي معادلة بسيطة، من يحب الصحافة والصحفيين هو الواثق من نفسه وعمله، هو من يعمل بوضوح، ويرى فيهم شركاء ومساعدين على كشف الأخطاء، يراهم أدوات إصلاح. ومن لا يحب الصحافة والصحفيين «وهم كثر» نترك توصيفهم لديكم!