لم تكن مفاجأة أبداً خروج تنظيم «داعش» إلى العلن في اليمن، وإعلان أعضائه مبايعة «الأمير» أبوبكر البغدادي «خليفة» لما يسمى بـ»تنظيم الدولة». الإعلان عن «داعش اليمن» كان فقط مسألة وقت وتوقيت، فمن يعرف طبيعة هذا التنظيم يعرف أنه يولد في الظل حين تكون أولويات الأحداث متجهة وجهة ما، ثم يترعرع حين تتجه الأحداث نحو الفوضى، ثم يعلن عن نفسه حين تشتد سواعد عناصره عدداً وعدة وتدريباً. وفي الغالب تكون البذرة الأولى لنشوئه وجود تنظيم «القاعدة» الذي يتحول تلقائياً في ظروف، تحتاج إلى دارسة، إلى تنظيم «داعش»، وهو ما حدث في اليمن تحديداً.
التاريخ القصير لتنظيم «داعش» يبين أنه تنظيم قادر على تجنيد عناصر محلية كثيرة، في ظل الصراعات الأهلية المتعددة. وهو قادر في الوقت نفسه على استقطاب عناصر أجنبية كثيرة عبر وسائل إعلامه واتصاله وشبكات علاقاته المتعددة والمترابطة بتحويل قضايا الصراع المحلي إلى صراع إسلامي. وقد أعلن تنظيم «داعش» أن حربه في اليمن سوف تكون على الحوثيين الذين وصفهم، حسب التسجيل المصور، بـ»الروافض الذين يسبون عرض أمهات المؤمنين»، متعهداً أن «يأتيهم بالذبح وأن يجرهم إلى جنهم». وتلك صيغة قادرة على التحليق واجتذاب عناصر داعشية من مختلف أصقاع الأرض في ظل ارتفاع وتيرة الخطاب الطائفي.
واستناداً إلى التجربة السورية، تحديداً، فإن تنظيم «داعش» يستغل وجود أطراف أخرى تتقاطع معه في الأهداف وبعد تحقيق النصر ينقلب عليها ويضعها في خانة الأعداء. فقد تحالف «داعش» سوريا مع عناصر الائتلاف السوري المعارض في الخارج ومع ما سمي بـ»الجيش الحر»، وحين تمكن من السيطرة على بعض المواقع في سوريا اعتبر حلفاء الأمس أعداء لأنهم يجمعون خليطاً من الليبراليين والمسيحيين وغيرهم ممن لا ينتهجون الخط الإسلامي ثم امتد عداؤه ليشمل التنظيمات المتشددة مثل «النصرة» و»جيش الشام» وغيرها ممن اعتبرهم فقهياً منحرفين لا يتوافق فكرهم مع منهج دولة الخلافة. والسيناريو نفسه وقع في العراق مع خصوصية تجربة العراق الداعشية. بالتالي فإن تنظيم «داعش» هو تنظيم يلتهم كل ما حوله ولا يتوافق أو يتفق مع أي مكون غير ذاته.
وما يتوقع أن يحدث في اليمن أن تتجاوز حرب «داعش» الحوثيين وأن تطال مكونات المقاومة الشعبية التابعة للرئيس عبدربه منصور هادي، وستكون الحجة أن هؤلاء هم بقايا الماركسيين والشيوعيين في الجنوب وأنهم ليبراليون يريدون دولة مدنية وانتخابات ويريدون استعادة دولة الجنوب ذات البنية اليسارية، ثم يتجاوز هؤلاء جميعاً إلى المكونات القبلية التي تتحالف معه اليوم ضد الحوثيين وسيعتبرها عصبية منافية للإسلام يقوم عليها رجال، لا تهمهم راية الإسلام، وإنما تهمهم عشائرهم وعصبياتهم، ثم سيصل إلى فلول حزب «الإصلاح» الإخواني التي تقاتل في محافظتي مأرب وإب تحديداً وسيعتبرها جماعات مبدعة خارجة عن منهج الدين القويم. وكما ابتلع «داعش» سوريا والعراق كل من حوله وكل من تحالف معه سيكرر «داعش اليمن» المنهج نفسه. وسيبدأ بتكوين الإمارات التي يدعي أنها «إسلامية» والتي تقيم الحدود جلداً ورجماً وقطعاً للرؤوس والتي يقوم بالوصاية على الإسلام فيها جماعات الحسبة. ومن يرغب في الاستزادة يمكنه الرجوع إلى قنوات «يوتيوب» لمشاهدة معالم دولة «داعش» المتشددة في إمارتي الرقة وإدلب في سوريا ليشاهد العجب العجاب مما لا يخطر على الألباب!!
ووجه الخطورة من استشراء تنظيم «داعش» في اليمن أنه سيكون أكثر التنظيمات الداعشية قرباً من دول الخليج، ومن السعودية تحديداً، وكل المشاريع التفتيتية التي يتردد أنها تحاك للمنطقة تنتهي خطاطتها عادة بتقسيم السعودية. وتنظيم «داعش» يتميز بوجود اتصالات منظمة بين فروعه وتنسيق جيد فيما بينها. وما أعلنت عنه السعودية من إحباط عدة محاولات لأعمال إرهابية والقبض على عناصر داعشية يشير بجلاء إلى وجود خلايا داعشية نائمة بدأت تصحو داخل السعودية. وأنها ربما تريد استغلال انشغال السعودية بالوضع في اليمن لتباغتها من الداخل بعمليات إرهابية. أضف إلى ذلك التهديدات الصريحة ضد السعودية وضد دول الخليج التي يبثها عناصر «الدواعش» في تسجيلاتهم بعد العديد من العمليات الإرهابية، مما يجعل العمل على استدراك خطر «داعش اليمن» أمراً ذا أهمية في المرحلة الحالية.
في هذه الأثناء، يعجز الحلف الدولي الذي قام لمواجهة خطر الإرهاب «الداعشي» في كل من سوريا والعراق عن وقف زحف «داعش» وتقدمها على مختلف الجبهات. فطيران التحالف الدولي الذي يجوب الشمال ما بين العراق وسوريا قد يقدر له مستقبلاً أن يكمل جولته جنوباً نحو اليمن إذا ما استدعى الأمر توسعة نطاق عمل الحلف ليشمل محاربة الإرهاب في اليمن. وللتذكير فإن اليمن يعد الدولة العربية الأولى التي تقوم قوات أجنبية بقصف مواقع للقاعدة فيها، بالتالي لن يكون الأمر سابقة.
كان الحديث يجري عن هلال شيعي يهدد الدول العربية ويهدد السعودية تحديداً. وكان هذا الهلال يبزغ فعلاً بالدعم الإيراني وتغلل نفوذه. ولكن ميزان القوة بدأ يميل نحو البدر «الداعشي» الذي أثبت قوة وضراوة جعلته أشبه بالسحابة الهائمة في السماء التي ينهمر عناصرها في كل مكان. فهل ترى دول الخليج، والسعودية تحديداً، أن تنظيم «داعش» يبقى محدود الخطر مادام يمارس إرهابه خارج الجغرافيا الخليجية؟ وبعد التقدم المذهل الذي يحرزه هذا التنظيم كل يوم في العراق وسوريا ومصر وليبيا، هل سيكتفي «داعش» بالجغرافيا التي يسيطر عليها أم أن له طموحات ذات علاقة بالجهات الدولية التي -قطعاً- هي الممول والمخطط الرئيس لهذا التنظيم الذي يتكون من مجموعة من العناصر العربية والمتشددة منحرفة التفكير ومحددة المهارات والإمكانيات؟