يبدو من قراءة المشهد العراقي المعقد أن دهاقنة البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس الأمريكي بحزبيه الجمهوري والديمقراطي قد أنهوا اللمسات الأخيرة لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات «شيعستان، سنستان، وكردستان»، وهناك بعض التفاصيل الجزئية التي يتم بحثها في عدة عواصم عالمية وعربية بما يطمئن بعض الأطراف التي تنظر بعين الشك لذلك المشروع «مشروع بايدن» الذي أعد وطبخ على نار هادئة منذ احتلال العراق عام 2003. وما أوامر الإشعار والإخطار والتي عنوانها الدبلوماسي زيارات تشاورية للعبادي وبعض قادة العراق وبعض شيوخ العشائر إلى البيت الأبيض إلا لإبلاغهم بحيثيات ذلك القرار.إن التغيرات والتحولات المتسارعة إقليمياً وخاصة ما يجري على الساحة اليمنية منذ انطلاق عاصفة الحزم قد أحدثت تخلخلاً في حسابات الجانب الإيراني الذي كان يخطط لأبعد من سيطرته على ربوع اليمن نفوذاً إلى قلب الجزيرة العربية، فأراد التعويض من تقليص نفوذه وتحجيم وكسر قوة ذراعه «الحوثيين» فعمد بالتخطيط للاندفاع بقوة إلى حدود أخرى لا تقل خطورة وأهمية عن اليمن، وهذه المرة التوغل في محافظة الأنبار العراقية ومسك حدودها المترامية الأطراف مع المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية ونقل ميليشياتهم لإشغال جيوش تلك القوات وتشتيت جهدهم بحجة ملاحقة فلول تنظيم داعش، كذلك لاستخدامها كأوراق ضغط على تلك الإدارة عند حلول وقت التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني، وهذه الخطوة الاستباقية هي التي عجلت بالإدارة الأمريكية بوضع ملف الإقليم السني على الطاولة وقطع الطريق على إيران وميليشياتها ولكن قبل أن تنضج الطبخة بالكامل.بالعودة لتلك الأقاليم؛ فبالنسبة للإقليم الكردي فهو قائم فعلياً ولا يحتاج لكثير من الجهد لإعلانه كدولة، كل ما في الأمر ترتيب الأوراق وإقناع الجانب التركي الذي لديه تحفظات عليه، فالإغراءات الاقتصادية وملف انضمام تركيا للاتحاد الأوربي والتلويح بكارثة تصفية الأرمن كفيلة برضوخه.أما الإقليم الشيعي؛ فالأحزاب الشيعية وقادتها وإيران وميليشياتها كلهم متلهفون له، وما نسمعه من اعتراض وتقمص للوطنية الزائفة بالمحافظة على وحدة العراق ما هو إلا تقية سياسية مفضوحة، خصوصاً إذا ضمنوا لهم بسط نفوذهم على منابع النفط في جنوب العراق والمناطق التي تم تغيير تركيبتها السكانية قسراً وبالقوة وخاصة حزام بغداد ومحافظات البصرة وبابل وديالى وجزءاً كبيراً من تكريت، وفي حال الرفض أو العرقلة والممانعة فملفات انتهاك حقوق الإنسان وجرائم الحرب والإبادة الجماعية وملفات الفساد التي تزكم الأنوف معدة سلفاً لهذا الغرض لترحل إلى محكمة العدل الدولية.لكن الإشكال الكبير الذي أعاق المشروع بأكمله هو عدم نضوج الإقليم السني وعدم وجود قيادات سنية لغاية اليوم من الممكن أن يتم الانفتاح عليها والتحاور معها. فالقيادات السنية الحالية معظمها تدور في فلك إيران رغبة أو رهبة وهي مرفوضة بالكامل من الشارع السني، خصوصاً تلك الأحزاب التي اتخذت من الدين غطاء وقادة ما يسمى بسنة المالكي!! أما العشائر التي ينوي الكونغرس تسليحها فهي منقسمة على بعضها ولا مرجعية لها، وجل شيوخها متنعمون في فنادق 7 نجوم وقادتهم تشتتوا بين مؤيد ومناهض لداعش. وواقع الحال يثبت أن أقوى الأطراف تدريباً وتسليحاً واقتصاداً ومسكاً للأرض هو «تنظيم داعش» ومطاولته وتمدده أصبح محل ريبة.فهل ستعمل أمريكا وحلفاؤها إلى الركون إلى قيادات الجيش العراقي السابق وما تبقى من قادة البعثيين والعلمانيين والضغط بلملمة المعارضين والمطاردين من حكومتي المالكي والعبادي وبعض شيوخ العشائر المعتدلين وبالتعاون مع دول إقليمية لها مصلحة بتحجيم الدور الإيراني «الذي تعدى كل الخطوط الحمراء» ثم تكليفهم بإدارة ذلك الإقليم بعد تسليحه ودعمه دولياً؟ أم أنها ستركن لمن يمسك الأرض وتتفاوض مع قادة داعش مثلما تفاوضت مع قادة طالبان ليولد لنا إقليم سني بنكهة داعشية؟ولن يطول الانتظار كثيراً لفك ذلك اللغز!!!.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90