لحسن الحظ أنني ذهبت مساء أمس لمعرض «زدني علماً.. أبني وطنا» في يومه الختامي، وأقول لحسن الحظ، إذ بعد رؤية ما تضمنه المعرض من فعاليات مختلفة سأجزم بأن من لم يذهب خسر فرصة رائعة لرؤية «كنز البحرين الحقيقي».
نعم؛ هذا الكنز المتمثل بالبراعم البحرينية الصغيرة، بأجيالنا القادمة وناشئتنا الذين هم سيكونون امتداداً للحاضر الحالي، وهم بالفعل كنز، أولئك الذين ساهموا في المعرض بإبداعاتهم وأفكارهم واكتشافاتهم، والتي من خلالها قدموا أجمل ترجمة لعنوان المعرض.
نعم، بالعلم تبنى الأوطان ولا شيء آخر. لا السلاح يبني وطناً، ولا التخندق الطائفي يجعل أمة تنهض لتكون منارة إشعاع بين الأمم، ولا يمكن للمجتمع أن يتقدم ويتطور ويحسن من أوضاعه، ولا يمكن للبشر أن يرتقوا بأساليب حياتهم وأن تتنور عقولهم ليعيدوا ذكرى العصر الذهبي للأمة العربية والإسلامية.
وعلى ذكر العصر الذهبي، تستحق الجهود القائمة على هذا المعرض في وزارة التربية والتعليم الشكر على جلب المعرض العالمي «ألف اختراع واختراع»، أنا شخصياً استمتعت بهذا العرض تحديداً، وشعرت فيه بالفخر والاعتزاز وأن أرى فيلماً قصيراً أجنبياً يتحدث فيه البطل عن أمجاد الحضارة الإسلامية في تلك العصور التي أسميت عن عمد من قبل الغرب بـ «العصور المظلمة»، وكيف يكشف الفيلم الحقيقة وأن منبع وأصل الاختراعات والاكتشافات كان عربياً إسلامياً، بدءاً من محاولة الطيران الأولى مروراً بالتقدم الطبي والأدوية وصولاً لأدوات الملاحة وأصل المحركات البخارية وانتهاء بأصل فكرة كاميرا التصوير.
رغم وجود عدد كبير من الأطفال في هذا العرض، ورغم أن زمنه عشر دقائق، إلا أنك بالكاد تسمع صوتاً أو ضجيجاً، الكل منتبه ويتابع ما يعرض، تلفت حولي، ولذلك أقول إنني شعرت بالفخر، إذ لاحظت الحاضرين وبالأخص الأطفال وكيف هم مندمجون يتابعون ويتعرفون على الحضارة العربية وتأثيرها على الغرب. وشتان بين عرض كهذا وعروض أخرى للأسف يتأثر بها الأطفال، تقدم لهم الغرب على أنهم الأساس وأن العرب يجب عليهم حتى يوصفوا بالارتقاء والتطور أن يقلدوا الغرب في كل شيء، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه.
هذا بالنسبة للعرض العالمي، أما بقية أجزاء المعرض فما أروعها من إبداعات لطلاب البحرين من الجنسين، ما أحلاها من فنون وابتكارات وجهود بذلت وتركيز استنفذ في أعمال ذكرتني والله بفعاليات كهذه كنا نتلهف على المشاركة فيها حينما كنا طلاباً في المدارس، وكانت لا تتكرر بشكل دوري، ولهذا أقول بأن مثل هذا المعرض الذي وفقت وزارة التربية في إقامته لابد أن يستمر ويتحول لفعالية تربوية إبداعية سنوية، بل لمَ لا يكون نواة لمهرجان تربوي ضخم يبرز نتائج العملية التعليمية في البحرين، يبرزها لا بكلام المسؤولين وتصريحاتهم، بل يبرزها من خلال نتيجة علمهم في عملية التعلم والتعليم، يبرزها من خلال مخرجات التعليم وما يقدمه الطلبة وما يبدعون فيه من أعمال وأفكار.
والله تشعر بالفخر أن هذه أعمال لأطفال البحرين، هذا الإبداع يخرج من جيل سيأتي بعدنا ليحمل راية بلاده في التقدم والتطور.
العلم سلاح قوي لا يستهين به إلا جاهل أو مكابر، كل سطر يقرأ، كل كلمة تكتب، كل معلومة تورد، والله لإنها أقوى من الرصاص وأمضى من السلاح، إذ ما تفيد القوة وحتى المال إن كان ممتلوكها فقراء في العلم؟!
هذه الفعاليات رائعة وتبرز المملكة في جوانب هامة قد يغفل عنها كثيرون، ولها من الأثر الجميل الكثير، وحضورها كثيف متنوع من مختلف شرائح المجتمع ومن زوار البلد وأشقائنا في الخليج، هي فعاليات تبرز ملامح هامة لدى أبرز وأثمن ما تملكه البحرين مواطنيها وجيلها الناشئ، بالتالي، لكل القائمين على هذا المعرض التحية والتقدير، ونطالبكم بالمزيد الذي يخدم أبناءنا الطلبة.
اتجاه معاكس..
لربما يكون معرض «زدني علماً .. أبني وطناً» آخر فعالية يشارك فيها وكيل وزارة التربية للموارد والخدمات الشيخ هشام بن عبدالعزيز آل خليفة بعد تقاعده رسمياً من العمل في الوزارة. وبحسب ما عرفت بأن للشيخ هشام بصمات جميلة في المعرض مع بقية القائمين عليه، لذا رأيت من الواجب أن أخصه هنا بالتحية والشكر والتقدير على جهوده التي بذلها طوال فترة عطائه وعمله في وزارة التربية والتعليم. شخص لم نشهد منه إلا كل رقي في التعامل، ودماثة في الأخلاق، وعقلية تفرض احترامها.
حتى في نهاية عمله كتب تغريدة أراها تتضمن عديداً من الرسائل، لكنني أشاطره التأكيد على مضمونها البارز بأن ما يتمناه كل بحريني مخلص في شأن التعليم أن نصل لمستوى جودة يستحقها الوطن في التدريس، وأن يوفق الله العاملين في الوزارة على تحقيق هذا الهدف.
أخيراً ما أتمناه ألا تترك الدولة الشيخ هشام «في حاله»!! بمعنى ضرورة الاستفادة من علمه وخبرته وطاقته وحيويته في مجالات هامة بالبلد معنية بالتخطيط والتطوير واستقراء المستقبل. فالفكرة هنا بأن هذا البلد الطيب لا يحتمل خسارة المزيد من الطاقات والكفاءات، كنزنا هو الطاقات الوطنية المخلصة، حاملة العلم الذي به تبنى الأوطان.