كلما ضاقت السبل بـ«المعارضة» وشعر المعنيون بها بأن خسارتها تزداد يوماً بعد يوم وأنها على وشك الاستسلام؛ ينبري منهم من يعزف من جديد على وتر الحوار بالقول إنهم حاضرون له، ومع هذا وقبل أن يصل الخبر إلى الطرف الآخر المعني بالحوار يضعون كمية من الشروط التي لا يمكن القبول بها وتضع نهاية له.
قبل أيام وبسبب الحالة التي صاروا فيها إثر الهزيمة النكراء للحوثيين في اليمن وما آلت إليه أحوالهم في الداخل والخارج بسبب تمكن وزارة الداخلية من السيطرة على الأوضاع ملأ البعض منهم التويتر تغريدات تحت عنوان «نعم حاضرون للحوار» لكنهم ضمنوا تلك التغريدات الكثيرة شروطاً لو استجابت لها الدولة لانتفت الحاجة إلى الحوار!
من ذلك على سبيل المثال لا الحصر قولهم إن الحوار يجب أن يكون برعاية أممية (...)، وأن ينتج عنه كتابة دستور جديد «أي إلغاء الدستور الحالي» ينتج نظاماً جديداً «أي تغيير النظام برمته»، وقولهم كذلك بأهمية إطلاق سراح كل السجناء ومحاسبة كل من يعتقدون أنه أخطأ في حق «المعارضة»، وغيرها من شروط تثير الضحك لأن من هو في الحالة التي هم فيها الآن لا يحق لهم أن يشترطوا، فهم أحوج للحوار، وهم الطرف الضعيف.
لم يبق إلا أن يقولوا إن على الحكومة أن تقبل بأن تترأس إيران الحوار وربما أن تعلن الدولة استسلامها وتسلمهم الحكم كي يكون الحوار ناجحاً!
المؤسف أن هذا هو تفكير من يعتبرون أنفسهم معارضة، فأي عاقل يمكن أن يقبل منهم مثل هذا الطرح؟ مجموعة ضاق بها الحال وانحشرت في زاوية ضيقة لا تستطيع فعل أي شيء ومع هذا تضع شروطاً للحوار الذي هي الأكثر حاجة له، فلعلها به ينوبها من المولد شيء من الحمص.
لا يمكن للطرف الضعيف أن يضع شروطاً، فهذه حقيقة ينبغي أن يدركها هؤلاء جيداً. من يحق له وضع الشروط وفرضها هو الطرف القوي، واليوم الحكومة هي الطرف القوي وليس «المعارضة» التي بدأ الناس ينفضون من حولها بعدما تسببت عليهم فنالوا ما نالوا وتضرر حاضرهم ومستقبلهم.
لابد من أن تدرك «المعارضة» في الداخل والخارج أنها الطرف الضعيف وأنها تقترب من رفع الراية البيضاء، وأن من راهنت عليهم ملوا من شعاراتها وممارساتها التي لا تنتج مفيداً. لابد أن تخرج من القوقعة التي حشرت نفسها فيها وتنظر حولها لتعرف أنها خسرت الكثير وأنها لا تستطيع أن تربح ولو القليل، وأنه آن الأوان كي تعيد حساباتها وتنظر إلى مصلحة من استغلتهم طويلاً ولم تحقق لهم شيئاً، لا أن تدعو إلى الحوار وتضع له ألف شرط وشرط.
استمرار «المعارضة» في تفكيرها هذا يعني أنها لبست قبعة لا تناسبها، حيث المعارضة شيء وما تمارسه هي من أفعال وتردده من أقوال شيء آخر. من يعتبر نفسه معارضة عليه أن يعمل سياسة، وليس في المنطق الذي يردده هؤلاء ما له علاقة بالسياسة. السياسة تقول باختصار إن هذه المجموعة اليوم تقف في خانة الضعيف وإنها لم يعد لها حول ولا قوة وإنها إن كانت بالفعل تسعى إلى مصلحة الناس فإن عليها أن تلتفت حولها لترى أنها ترديهم الخسران.
اليوم لم يعد أمام هؤلاء سوى أن يقوموا بتلك الأفعال الصبيانية مثل اختطاف الشوارع وإشعال النار في إطارات السيارات ودفع الأطفال للخروج في مسيرات ثم التباكي على ما حصل لهم وما صاروا فيه من أحوال. وهذا كله لا يمكن أن يعود عليها بالنفع بل لا يطيل في عمر «المعارضة».
باب الحوار مفتوح دائماً ولكن ليس بشروط الضعيف.