الآن سيبدأ فصل جديد من السجال بين السلطتين التشريعية والتنفيذية معني بأحد أعقد وأصعب الملفات؛ ونعني به ملف الميزانية العامة للسنتين الماليتين 2015 و2016.
وقبل الخوض في الحديث؛ فقط نشير لمفارقة هنا بأن الميزانية المعنية بهذا العام الآن سيتم مناقشتها بعد قضاء قرابة نصف عام 2015، وهو الأمر الذي يدفعنا للمطالبة بتلافي هذه الحالات في الموازنات القادمة بحيث تقدم في وقتها المنصوص عليه دستورياً، وبما يضمن عدم خلق حالة شبه جمود في حراك الدولة ومشاريعها.
الموازنة هذه المرة ضخمة، لكن المخيف فيها رقم العجز المرصود فيها والبالغ ثلاثة مليارات دينار، وهو مبلغ ضخم ومخيف، ورغم ذلك فإن الخوف الأكبر من أن يتأثر الناس بالوضع المالي للدولة سواء في شأن الموازنة أو الدين العام.
ندرك تماماً بأن وزير المالية أكد في تصريحه الأخير بأن وضع المواطن لن يتأثر، وقبله شدد مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء -حفظه الله ورعاه- بخصوص المواطن ومصلحته، وهي أمور تبعث نوعاً من الطمأنينة.
لكن الخوف هنا في حال مررت الموازنة بأن يتناسى بعض المسؤولين السجال الذي مرت فيه، والأخذ والرد، ومواقف النواب، وتوجساتهم وتخوفاتهم، يضاف إليها مطالبات الناس وقلقهم، الخوف أن ينسى بعض الوزراء ذلك فتتبعثر الأموال هنا وهناك، وتتكرر مخالفات إدارية ومالية كثير منها سببه الهدر والتعامل اللامسؤول، وهنا من الإيجابي تقدير ما أكد عليه مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة بأن الوزراء لابد عليهم الالتزام بسقوف موازنات قطاعاتهم، يتوجب عليهم استغلالها بشكل أمثل، عليهم الحفاظ عليها من الهدر، والأهم ألا يرهقوا كاهل الدولة بطلب فتح اعتمادات جديدة لمشاريع وأفكار لم توضع منذ البداية في مشاريع عمل هذه الوزارات، خاصة حينما نعلم بأن حالات سابقة حصلت، وأن بعض الوزراء تعامل مع موازنة الدولة مثل «الحنفية المفتوحة» كلما «فز» من نومه أو «خبطت» في رأسه فكرة طلب مزيداً من المال وأرهق كاهل الدولة.
الحرص والمسؤولية مطلوبان اليوم في التعامل، خاصة مع تخلخل الميزان الاقتصادي للدولة، خاصة في ظل تضخم الدين العام بشكل مخيف، ناهيكم مع تدني سعر النفط، وزيادة سعر المواد الأخرى بالأخص الغذائية، بالتالي علينا اليوم مطالبة الدولة بشكل دائم أن تضمن عدم تضرر المواطن، أن تحرص ألا تولد سياسات وتوجهات من شأن تطبيقها زيادة العبء على الناس.
نحذر من هذه المسألة باعتبار أن المواطن ليس هو المتسبب في العجز الاكتواري وليس الذي أوصل الدين العام لسقف ومستوى جنوني ومخيف، بالتالي إن كان أحد يفكر في فرض رسوم هنا وهناك، أو حتى زيادة نسبة اشتراكات التقاعد مثلما كان يلوح البعض وانتشرت الشائعات، فنطالبه بأن يراجع نفسه، فالمواطن اليوم يحتاج لنفحات أمل مع انفراجات تزيل بعض همومه وتساعده في رفع مستواه المعيشي.
هذه ملاحظات بشأن الميزانية، نكتبها قبل أن يبدأ النواب استخدام أدواتهم لمناقشتها وتفصيصها في عملية قد تأخذ حيزاً من الزمان هو بحد ذاته ذا تأثير سلبي على حراك البلد، لكن أن يتم مناقشة بنود الميزانية والتأكد بأن هذه المبالغ بالفعل لازمة ومطلوبة ووجودها أمر حتمي لا جدال فيه، مسألة تمثل مسؤولية على عاتق النواب.
هم أولاً أمام تحدٍ في تقنين المصروفات الزائدة ومناقشة قطاعات الدولة في مشاريعهم وبنود الصرف وما إذا كان ضرورة أم ترفاً، وبالتوازي مع ذلك عليهم مسؤولية ضمان حماية المواطن من أي تأثير سلبي والحرص على أن تلبي الموازنة بعضاً من تطلعاتهم إن لم تكن كلها، رغم استحالة الأمنية الأخيرة. ختاماً نقول للدولة وللنواب؛ نحن معكم في الخير وفي سعيكم لصالح الدولة، لكننا نؤكد بأن صالح الدولة لا يكون إلا عبر تحقيق ما هو صالح للناس، يستجلب استحسانهم ويحقق الرضا لديهم، بالتالي نرجوكم بألا ضرر ولو صغيراً يطال المواطن البحريني.