العبارة التالية وجدتها في حساب على «تويتر» يهتم صاحبه بالشؤون الإيرانية. عبارة ينقسم الناس إزاءها بين مصدق ومكذب لكنها تستحق وقفة بسبب المعلومة التي وردت فيها لأنها لافتة. هنا العبارة «قبل فترة دعت الحكومة الإيرانية المواطنين الفقراء لتسجيل طلب الحصول على معونة شهرية مقدارها 20 دولاراً. 90% من المواطنين سجلوا أسماءهم» .
لست من الذين يندفعون نحو تصديق مثل هذه المعلومات غير المصحوبة بأدلة، خصوصاً وأن صاحبها يتحدث هنا عن ملايين الأشخاص ومعروف موقفه من إيران وسياستها، ولكنني أوافق على فكرة أن في إيران يوجد الكثير من المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر، ويكفي النظر في مقدار المال الذي تصرفه السلطة في إيران على مشاريعها وبرامجها التوسعية في العراق وسوريا واليمن وغيرها لتقرير أن مسألة وجود عدد كبير من الإيرانيين في حالة فقر مسألة قابلة للتصديق، فالمال المخصص للارتقاء بمستواهم المعيشي يؤخذ إلى هناك، فإذا أضيف إلى كل تلك الدول التحرك الملحوظ لإيران في أفريقيا في هذه الفترة فإن المتوقع أن يزداد عدد الفقراء في هذه الدولة الإسلامية.. الغنية.
نحن إذاً أمام مفارقة؛ دولة يعاني شعبها من الفقر بينما تخصص السلطة فيها ما هو متوفر لديها من أموال لدعم قضايا لا علاقة لها بها وللتوسع والسيطرة على دول أخرى والترويج لمشاريع غير قابلة للتحقق مهما فعلت. حال يستدعي التوقف عنده لمعرفة ما يدور في عقل هذه السلطة التي ترفع شعارات لا تطبقها فتدعو لنصرة الشعوب بينما هي تخذل شعبها وتظلمه وترمي به في أتون الفقر والحاجة.
المليارات التي تصرفها هذه الدولة على الحروب التي ما فتئت تشعلها في كل مكان لو خصصتها لشعبها لاختفى الفقر منها، ولصارت نموذجاً يحتذى، لكنها للأسف تصرفها على مغامراتها التي لا تعود عليها إلا بمزيد من الأذى وتعرض شعبها لكثير من المخاطر.
هذه المفارقة يمكن أن توصل إلى استنتاج مهم، هو أن إيران تعتمد سياسة تجويع شعبها كي تتمكن من السيطرة عليه وقيادته بالشكل الذي تريد والاستفادة من عدده في أي وقت كوقود للحروب التي تشعلها هنا وهناك، فالشعب الذي يتوفر لديه كل شيء يصعب دفعه للحروب، خصوصاً إن لم يكن يؤمن بها ويعرف أنها لمصالح ضيقة.
السلطة في إيران مهووسة باستعادة الإمبراطورية الفارسية، ومن أجل تحقيق هذا الهدف توظف كل قدراتها وتستغل كل شيء بما في ذلك العواطف الدينية كي تضمن بقاء الشعب الإيراني في يدها وتحركه كيفما تشاء، ولهذا فإنه ليس مستغرباً ارتفاع أعداد الفقراء في بلد لا يعاني من الفقر؛ بل على العكس يعتبر من البلدان الغنية بسبب ما يتوفر فيه من ثروات.
لكن هذه الحال لا تفرح دول مجلس التعاون لأنها تشكل خطورة عليها، فبسبب الجغرافيا يمكن لو ازدادت حالة الشعب الإيراني سوءاً أن يعتبر دول التعاون الملجأ الذي يمكن أن ينقذه مما هو فيه فيمد بصره نحوها وقد تستغل السلطة في إيران مثل هذا الوضع لتحقيق حلمها القديم الذي لا تني تعبر عنه أحياناً بطريقة أو بأخرى قبل أن تنكر أقوالها وتنفيها.
اختبار واحد لو وافقت عليه إيران يتبين لها مقدار رفض الشعب الإيراني لممارساتها ومغامراتها، فلو أنها أعلنت عن عدم ممانعتها لمن يريد منهم الخروج من إيران لشهدت حركة نزوح جماعي إلى أي مكان في العالم، فكل مكان يعتبر بالنسبة لمن ذاق طعم الفقر في إيران أحسن حالاً، ونعمة من رب العالمين تستحق الحمد والشكر.
ربما هناك مبالغات في الحديث عن نسبة الفقر وأعداد الفقراء في إيران، ولكن الأكيد هو أن الرقم غير عادي.