سيعود الاستثمار حتماً، إذا ما أرادت له الدولة أن يعود، وعودته لن تكون إلا بمراجعة كاملة لعوائقه وموانعه والأسباب التي أدت إلى تضعضعه ثم هروبه للبحث عن دول أخرى تجتهد اجتهاداً لتقديم التسهيلات، وهذه التسهيلات لا تكون ذات قيمة إلا إذا كانت تتعلق بالضرائب، ووضع استراتيجية تحفظ حقوق التجار والمستثمرين.
إن الضرائب في البحرين تحتاج إلى وقفة صريحة، فلا نريد أن نجمل عبارات أو نضخم كلمات ونعلم أن هناك مشكلة حقيقية يجب أن تسارع الدولة في حلها واستئصالها، وهنا نذكر أولها ضريبة العامل «العشرة دنانير» التي أثقلت كاهل التجار وجعلتهم يعيدون الحساب، فكيف بهذه الرسوم التي تذهب إلى صندوق يعلم التاجر أنها لا تصلح سوقاً ولا تعالج اقتصاداً. فمنذ 2006 ماذا قدمت هذه الهيئة، غير أنها بعثرت مئات الملايين من الدنانير دون جدوى ولا فائدة لا على الدولة ولا على المستثمر، وهذه أكبر ضريبة على مستوى دول الخليج حين تفرض رسوماً شهرية على الأيدي العاملة الأجنبية، خاصة أن هذه العمالة أصحبت ضرورية لا يستغنى عنها ولا يمكن أن يحل مكانها مواطن مهما كانت الظروف والأحوال. فهل المواطن يمكن أن يكون بناء ويكنس الشوارع؟ هل يمكن أن يكون خياطاً أو حتى حلاقاً؟ دعونا نتكلم بصراحة، هذا لا يمكن. وحتى اليوم العامل الأجنبي صار شحيحاً في ظل تدافع الدول الخليجية للحصول على مزيد من العمالة من تلك الدول التي كانت تتدفق عمالتها بوفرة ومثال ذلك الهند.
وكذلك هي ضريبة الكهرباء التي تعتبر كلفتها مضاعفة على المحلات التجارية، كما هي رسوم البلدية الأخرى حين تكون نسبتها عالية مقارنة بالدول الخليجية التي أعادت النظر في الكثير من الرسوم ومنها رسوم الكهرباء والماء ورسوم العمالة، ومثال عليها السعودية في 2014 التي ألغت رسوم الـ2400 ريال المفروضة على المنشآت الصغيرة «الأقل من تسعة أفراد»، كما صرفت النظر عن فرض رسوم على العامل الأجنبي، عندما قرر وزير العمل في 2012 فرض رسم على العامل الأجنبي فاحتج المستثمرون مما جعلها تصرف النظر عن هذه الضريبة، بل وألغت الرسوم عن المنشآت الصغيرة.
إن عدم مراجعة الدولة لقرارات اتخذتها وجعلها كقيد ملفوف على رقبة المستثمر لن تكون نتيجته إلا تراجع المستثمرين، وخاصة عندما يكون صرف هذه المبالغ التي تقدر بمئات الملايين في مجالات ثانوية لا يعدو عن عناوين في الصحف، وحتى إن كانت تصرف العوائد في مجالات خدمية، أيضاً هذا ليس من مسؤولية المستثمر، ولن يشجع المستثمر على اختيار البحرين كوجهة آمنة ومشجعة لاستثماراته.
ثم دعونا نكون صريحين أكثر، فالكثير من المستثمرين ينظرون إلى البحرين أنها جهة ليست آمنة، وذلك عندما عمد الانقلابيون للإساءة إلى سمعة البحرين من ناحية الأمن والاستقرار، وتعمدوا استمرار المظاهرات والتجمعات في المناطق الحيوية التجارية، مما أضر بسمعة البلاد. فاليوم إذاً أصبحت أمام الدولة مشكلتان؛ الأولى يكمن حلها بإعادة ثقة المستثمر في البحرين من الناحية الأمنية، حين تقضي الدولة نهائياً وكلياً على الجماعات الإرهابية، والثانية بتقديم التسهيلات والضمانات التي تجعل المستثمر مطمئناً بأنه ليس هناك ضرائب قد تثقل كاهله وتسرق مجهوده. فمن الطبيعي أن تكون الضريبة هي العامل الأساسي في طرد الاستثمار في أي دولة، وها نحن نرى دولاً مثل كندا وأمريكا وأستراليا كيف تجذب الاستثمارات إليها بتقديم التسهيلات والترغيب، حتى تصل إلى درجة التوطين.
وها هم الخبراء الاقتصاديون يؤكدون ذلك، ومنهم أشرف العربي مستشار صندوق النقد الدولي ورئيس مصلحة الضرائب الأسبق في مصر الذي يقول «إن الضرائب هي المادة الطاردة للاستثمار». إذاً الحاجة ملحة وضرورية في إعادة النظر في ظل عدم جذب الاستثمارات ذات المردود، وإن كانت هناك استثمارات قادمة فبالتأكيد ستعاني، وإن كانت سوف تستثنى من الرسوم فهذه ليست عدالة، لأن الاستثناء يجب أن يعم الجميع. وإذا ما ألقينا نظرة على طبيعة الاستثمارات الجديدة في البحرين فهي لا تعدو عن محلات خياطة ومطابخ ولائم ومحلات كاب كيك، التي لا يمكنها أن تستوعب تشغيل مواطنين، وهي التي على أساسها فرضت الرسوم على العامل الأجنبي بجعل المواطن هو الخيار الأفضل.
نعم سيعود الاستثمار للبحرين حتماً عندما يستأصل الإرهاب من جذوره، وعندما تقدم التسهيلات للتاجر بإلغاء الضرائب وتخفيض رسوم الخدمات. أما الإصرار على الاستمرار على هذا الحال ستكون عواقبه وخيمة، في ظل وجود تنافس بين الدول الجارة التي تحاول أن تعيد النظر كل سنة في استراتيجيتها الاقتصادية، وتراجع قرارتها، فتلغي رسوماً وتخفض ضرائب، كما تقدم حلولاً للمستثمر كالاستدانة من البنوك بنسبة أرباح بسيطة، أو بدون أرباح، أو أن تعفي المؤسسة لعدة سنوات من رسوم التسجيل وتجديد التراخيص، مع العلم أن هذه الدول لم تفرض أي منها ضريبة على العامل الأجنبي.