أعيد طرق هذا الموضوع الذي تطرقنا له سابقاً، وذلك بعد أن أثير مجدداً في مجلس النواب وحظي بالموافقة، وهو معني بتخفيض 50% من الرسوم على المتقاعدين.
سأكون إيجابياً وأقول بأن المسألة لو تمت، فهي مسألة إيجابية، لكن دعونا نطمع هنا قليلاً ونقول؛ ألا يستحق المتقاعد اليوم الأفضل من الدولة؟!
تخفيض الرسوم مسألة جيدة، لكن مع ذلك هناك شريحة من المتقاعدين تعاني من حالات اكتئاب وإحباط، هم موجودون و»العتب» على من لا يبحث عنهم ويعرف ما فيهم.
الإحباط والاكتئاب يعتري الإنسان الذي يمتلك القناعة بأن عمل وأعطى وبذل الجهود، وأن أقلها يفترض أن يضمن حياة كريمة له ولأسرته بعد الإحالة على المعاش، لا العكس.
المتقاعد في الدول الأجنبية يرى خروجه على المعاش بدء حياة جديدة، تراه ينشغل بأمور يرفه فيها عن نفسه، يمارس هواياته، ويسافر وهو مرتاح نفسياً، إذ هو يصل لمستوى يؤمن فيه بأنه جاء الوقت الذي يكافئ فيه نفسه بعد سنوات من العمل والتعب، فهل هذا الشعور موجود لدينا اليوم في أوساط متقاعدينا؟!
لا نقول هنا للدولة بأن عاملوا المتقاعد وكأنه وزير، أو قدموا له كل شيء وزيادة على طبق من ذهب، لكننا نقول بأن المطلوب هو الاهتمام بالمتقاعدين، العمل لأجلهم وقناعة تعترينا بأن هؤلاء خدموا البلد وأفنوا أعمارهم في العمل، ولولاهم ولولاجهودهم لما وصلنا إلى ما نحن إليه، ولما كان لدينا امتداد للأجيال، ولتعثرت كثير من الإنجازات، وعليه يستحقون منا التفاتة جادة، لا أن يدور مقترح بسيط مثل خفض الرسوم هذه الدورة الكبيرة ونتكلم فيه مرة ومرتين وثلاث، ويطرقه النواب لمرات عديدة قبل أن يقر، بل الأجمل كان لو مشى من أول مرة ولم يجد أمامه أية إعاقات.
اليوم نتساءل إن كان بالإمكان إيجاد صندوق للمتقاعدين، ولا أعني صندوق التقاعد الذي يتكفل بصرف رواتب تقاعدية لهم، بل صندوق مهمته متابعتهم والعناية بهم ومساعدتهم إن جرت عليهم الظروف، صندوق يعمل على إنشاء نواد متفرقة في المحافظات مرتادوها المتقاعدون وتقام فيها الفعاليات المتنوعة والمختلفة والتي تركز على إبراز خبراتهم السابقة في أعمال تفيد المجتمع، تقدم لهم مساحة للإبداع وخدمة المجتمع، والله سيجعلهم هذا يحسون وكأنهم ولدوا من جديد، وأن لهم وزناً وثقلاً، وأن الدولة تهتم بهم، وأنهم رقم مهم فيها، بالتالي ستجدون لديهم دافعية من نوع مميز، ويكون لديهم الولاء والالتصاق بالأرض والوطن أكبر وأعمق وأصدق.
لا تؤسسوا لثقافة سيئة في المجتمع تسود فيها أفكار وأحساسيس بالإحباط والشعور بالأسى باعتبار أن الدولة نست هؤلاء الذين عملوا لأجلها وبذلوا التعب والعناء ليرتفع اسم البحرين.
أقروا هذا المشروع بسرعة، امنحوهم تخفيضات وتسهيلات، لكن أيضاً تابعوهم وفروا لهم العون والمساعدة، وأنشئوا لهم مشروعات ومراكز تحتويهم وتجعل لعطائهم مساحة لاستمراره وتطويره، فالإنسان لا ينتهي ارتباطه بالحياة ولا ينتهي نهله للعلم ولا ينتهي إنتاجه وعمله إلا حينما يأخذ الله أمانته، أعطاهم الله العمر المديد، ولهم تحية وقبلة على الرأس على عطائهم لهذا البلد العزيز.