الأحداث التي بدأت تبرز بشكل دراماتيكي في المنطقة العربية صارت واضحة للعيان، ومن المؤكد أن هنالك عشرات الأهداف جراء الفوضى التي تعصف بمنطقتنا، إلا أن كل تلك الأهداف لن تتحقق ما لم يتحقق أولها وأهمها، وهو «التقسيم»، والذي يعتبر حجر الزاوية في لكل المشاريع القادمة.
لقد أبرز بعضهم كل مشاعره بخصوص تقسيم بعض الدول العربية بصورة صريحة جداً، فأبدى سعادته من فكرة التقسيم، إما وفق مصالح خاصة يرتئيها أو وفق أجندات طائفية أو دينية أو سياسية، لكنه غفل أن هنالك في المقابل من يقبل بفكرة التقسيم بطريقة مشابهة لطريقة تفكيره، لكن بأسلوب مغاير على مستوى الطائفة والمذهب، وفي كلتا الحالتين يظل التقسيم في نظر هؤلاء فكرة ليست بالسيئة!
عجبي ممن يفرح بتقسيم أية دولة عربية في المنطقة، سواء اتفقنا معها في سياستها أم لم نتفق، فالتقسيم المنتظر لدولنا المنهكة بالفوضى التي رعتها أمريكا منذ «كونداليزا رايز» وحتى يومنا هذا لن يفيد أحداً، ولن ينفع صاحب أي توجه مذهبي أو قبلي أو حزبي من كافة العرب، وليعلم كل المستبشرين بجنة التقسيم الأمريكي للمنطقة العربية أنه في حال تم تقسيم أي قطر عربي فإن بقية الأقطار العربية سوف يلاحقها التقسيم، ولن يتم شبر عربي من أراضينا العربية إلا وسيدخل في هذا مشروع، وبهذا سيكون الوضع المستقبلي أكثر فظاعة مما هو عليه اليوم بآلاف المرات، ولكم أن تتخيلوا معنا ذلك.
من يفرح بتقسيم الدولة العربية «الفلانية» فليتأكد أن الدور قادم على وطنه، فنجاح مشروع التقسيم لأية دولة عربية يعني أننا وافقنا من حيث المبدأ على فكرة التقسيم بشكل إجمالي، بل يعني أننا ابتدعنا مشروعاً من المشاريع الأكثر خطورة على الإطلاق، والذي لن يقف إلا بتقسيم كافة الوطن العربي.
الخطأ الأول والأكبر الذي ارتكبه العرب هو قبولهم ورضاهم بتقسيم السودان، فمن أجل زوال طاغية من الطغاة وافق العرب أن تقسم دولة مهمة في العمق العربي إلى دولتين، فقط لأنهم غير راضين عن حاكم بعينه، وهذا وحده لم يكن سبباً كافياً لبيع السودان بالطريقة التي تبعده عن واقعه العربي، ونحن اليوم ندرك مستوى الخيبات العربية والأسف العربي الشديد لموافقتهم تقسيم السودان الشقيق إلى دولتين.
منذ أن وافق العرب على تقسيم السودان فإنهم شرعوا وبشكل رسمي للدول الكبرى بأن تقوم بذات الفعل مع بقية الأقطار العربية، إما بحجة فساد الحكم فيها أو لأسباب أخرى لا تقل في قبحها عن السبب الأول، وبهذا فإن الغرب تحمس لتقسيم بقية الدول العربية دون أن يستثني منها أحداً، وأن ما يجري من أحداث قاسية في الإقليم هو مقدمة حتمية وطبيعية لفكرة ومشروع التقسيم مع الأسف الشديد.
يجب على الحكومات والشعوب العربية أن تتصدى لكل محاولات التقسيم، حتى لو كان في ذلك مصلحة مؤقتة لدولة من الدول العربية، لأن نجاح التقسيم يعني نجاح المشروع الأمريكي والصهيوني بإضعاف العرب للمستوى الذي لا يستطيعون معه تقرير ربع مصيرهم أو لا شيء منه، وهذه من أبشع الكوارث التي لو بصمنا عليها اليوم سوف نندم عليها في المستقبل.