بعد أن كانت مثالاً يحتذى به للصغير قبل الكبير، "مهنة" شرفت صاحباتها وهناك الكثير ممن يقدرها، كانت محطة عز وفخر لتسرد عن إبداعها القصص والأحاديث، وكيف أنها تعتبر الركاز والدعامة الأساسية لكل بيت يتمتع أبناؤه وبناته بإنجازات علمية ومهنية من الطراز النفيس. هذه المهنة للأسف بدأ يتناقص تواجدها في عصرنا الحديث، و"يا خوفي من أن تصبح في عداد المفقودين"، مهنة من أسمى المهن التي مرت على البشرية وهي مهنة "ربة المنزل"، أين هي "ربة البيت أو المنزل" في يومنا هذا؟ لقد بتنا نفتقدها رويداً رويداً مع شعورنا الدفين بكم الحاجة إليها.قبل إصدار البطاقة الشخصية الذكية، كانت هناك البطاقة الشخصية والتي يدون بها معظم المعلومات الشخصية التي تعرف بالشخص حامل البطاقة. ولا أخفى عليكم الحالة النفسية التي تنتابني عندما كانت تقاطعني الموظفة سواء في الدوائر الحكومية أو الخاصة؛ الحالة المهنية "ربة منزل" أليس كذلك؟ ونظرة الازدراء التي كانت ترافق كلماتها والتي تتساقط علي كرجوم من نار، وشعور الخجل الذي ينتابني حينها وكأنني اقترفت ذنباً عظيماً. كانت في لحظات تسير أمام عيني ساعات الدراسة التي قضيتها ليلاً ونهاراً لكي أحصل على درجات علمية في الجامعة، فأنا لا أحب أن أسمع كلمة "ربة بيت"، أريد أن أتجاهل اللفظ والكلمة والمعنى، أريد أن تمر علي هذه اللحظات كالبرق إلى أن شعرت بفخر كبير عندما كتب لي نصيب للعمل في إحدى المؤسسات الحكومية ومعها تحررت من ذلك الكابوس النهاري العويص. ولكن منذ فترة بدأت أتفكر بوضع سيداتنا من جديد، عندما شكت لي صديقتي حال أبنائها والذي لا يسر عدواً ولا صديقاً، حيث أصبحوا في دروسهم مقصرين، ويغلب عليهم اللهو والطيش، وفي أحيان كثيرة تجد النفاق والكذب على تصرفاتهم وأقوالهم مسيطرين، ودائماً عن أفراد الأسرة باتوا منعزلين، وعدا ذلك لكلامها وأوامرها غير طائعين. لذا فقد لجأت إلي لربما نجد سوياً الحل في تصحيح الوضع العصيب. وبعد البحث والتدقيق تبين أنها هي السبب وراء هذا الهجران التواصلي والفكري الأنيق. فهي لا تعرف عن أمورهم الشخصية سوى الجزء القليل، فوقتها مقسم بين وظيفة صباحية وفعاليات وزيارات اجتماعية، ولقاءات ثقافية وندوات شعرية مسائية، ورحلات عمل غير اعتيادية، وفوق كل هذا تحاول أقصى جهدها أن تكمل دراستها الجامعية كي تجاري زميلة لها أو رفيقة من أيام الثانوية.أنا لا أدعو أن تتخلى السيدة عن حياتها المهنية وإلا أكون صراحة متناقضة مع نفسي كوني إنسانة عملية وأعشق الجلسات الثقافية والاجتماعية، ولكن أجد في الحياة الأسرية لذة ومتعة قدسية، لذا لابد من وضع ميزان نقيس به أولوياتنا اليومية، وإعطاء أنفسنا حقها الإنسانية كي نعيش حياة وردية ونتجنب زلات حتمية. وبعد دراستي لأكثر من حالة عصرية، تبين لي أن الفشل الأسري وللأسف سببه غيرة النساء الغبية، فالأمر تعدى اقتناء الماركات المزيفة أو الحقيقية ووصل لتقليد أعمى للمظاهر الثقافية والاجتماعية التي هي دخيلة علينا. فتحية خالصة بماء الورد كلها إكبار وإجلال لصاحبات المهنة المهددة بالانقراض، "ربة البيت" أو كما أراها أنا "أجمل سيدات البيت".